Page 8 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 8
العـدد 26 6
فبراير ٢٠٢1
عن تلك الجهود ،وأنه يرى –كشاعر أو ًل عام :فالقصيدة ليست مجرد كتابة،
وأخي ًرا -أنها يمكن أن تقول المزيد. ولكنها تشكيل بصري بالأساس ،فكتابة
الملمح الثالث في شعرية رفعت س َّلم
هو دوره كمن ِّظر لتجربة شعراء الديوان لديه –كفعل كتابة -لا تستمر
أكثر من أربعين يو ًما ،ثم تبدأ معاناة
السبعينيات العرب ،فهو أول من أطلق رسم القصيدة على الورق الفارغ ،تجربة
هذا المصطلح على هذا الجيل ،وقد امتد تشكيلية خالصة يقوم بها بنفسه ،قال
بعد ذلك على الموجات التالية مع تغيير لي إنه يج ِّرب توزيع الكلمات على صفحة
اسم العشرية (شعراء الثمانينيات.. الوورد على الكمبيوتر ،ثم يستدعي
التسعينيات ..الألفية ..إلخ) ،ثم دوره في الصور والخطوط والإشارات ويلصقها
التنظير لقصيدة النثر باعتبارها نو ًعا بها ،ويأخذ وقتًا طوي ًل في إخراج
جدي ًدا جاءنا من الشعريات الغربية ،وإن الصفحة تشكيليًّا ،ثم يطبعها ليرى
النتيجة على الورق ،فشاشات الكمبيوتر
لم ينفصل عن آبائه العرب ،لأنه –في تكون خادعة أحيا ًنا ،ثم يبدأ عمليات
البداية والنهايةُ -يكتب باللغة العربية التعديل حتى يرضى ،صفحة بصفحة،
ويعبِّر عن مشكلات الإنسان العربي كأنه فنان تشكيلي يجهز لوحاته لمعرضه،
ومعرضه هنا هو ديوانه ،وبالطبع يتفنَّن
وهمومه وتطلعاته ..وقد أصدر عدة في وضع الهوامش على يمين المتن وعلى
كتب تأسيسية في هذا المجال ،فض ًل عن يساره ،في الأعلى وفي الأسفل ،حتى
يصل إلى الصيغة البصرية المناسبة .هذا
كتاباته المب ِّكرة في الصحف الخليجية عن مزج الشعر بالفن التشكيلي وقيام
والمصرية عن الشعر الجديد ،التي تعد
رفعت س َّلم بالدورين م ًعا.
تجربته في القلب منه. أي ًضا من مظاهر شعريته اختياراته
برحيل الشاعر الكبير رفعت س َّلم (16 في الترجمة .فالمتتبِّع لمشروع س َّلم في
نوفمبر 6 -1951ديسمبر )2020تكون الترجمة سيجد أنه بدأ باختيار الكتب
تجربته الواسعة المتعددة قد اكتملت ،فلم التي تروق له ،كأي مترجم ،واختياراته
ُجلُّها في الشعر لأنها –كما ذكرت -تخدم
يعد ممكنًا الإضافة إليها بعد أن نشر شاعريته وتعد جز ًءا منها ،ثم عمل مع
ديوانه الأخير «أرعى الشياه على المياه» راوية صادق على ترجمة كتاب «قصيدة
قبل رحيله بأشهر قليلة ،هذه التجربة النثر» لسوزان برنار ،وهو كتاب ضخم
التي انفتحت على روافد كثيرة ،وصنعت لكنَّه مهم ،فقد كانت الكفة تميل واقعيًّا
ظاهرة شعرية خاصة ،تطورت منذ نحو قصيدة النثر وبان أنها تمثل
ديوانه الأول «وردة الفوضى الجميلة» مستقبل الشعرية العربية .لكنه ذهب
الذي صدر عام ،1987فأضاف إليها بعد ذلك إلى ترجمة الأعمال الكاملة لآباء
الحداثة المؤسسين :رامبو ،قسطنطين
عبر رحلته ما جعلها جديرة بالدرس كفافيس ،ألكسندر بوشكين ،يانيس
لاستخلاص سماتها ،كونها من أكثر ريتسوس ،ماياكوفسكي ،والت ويتمان..
التجارب جرأة وقدرة على فتح منافذ كان يعلم أن بعض هذه الأعمال ترجمها
واحتمالات جديدة للتجديد الشعري، من قبل مترجمون وشعراء كبار ،لكن
الضامن الوحيد لتطور الشعر وقدرته إعادته ترجمتها تقول إنه لم يكن راضيًا
على مواكبة الحياة ،وقدرته –كذلك -على
مجاراة ما يكتبه الشعراء حول العالم،
هؤلاء الذين لا ينظرون للوراء إلا بالقدر
الذي يدفعهم إلى الأمام لصناعة تجاربهم
الخاصة