Page 11 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 11

‫إبداع ومبدعون ‪9‬‬                                      ‫معينه في بنائه‪ ،‬وأن يقوم المتلقي مشاه ًدا أو سام ًعا‪،‬‬
                         ‫رؤى نقدية‬                    ‫بتقيي ِم نصه على أسا ٍس من تلك الخلفية التي كان ْت‬

 ‫هذا الديوان‪ ،‬لكن رؤية ممعنة في تحليل النصوص‬            ‫هذه الطرائق بعض وقائعها‪ .‬وعلى هذا فإذا كانت‬
      ‫والقصائد المركبة الشاملة السابقة يسوغ من‬        ‫البنية المعقدة تتحقق بصورة رئيسة في النَّ ِص‪ ،‬فإن‬
                                                       ‫البنية البسيطة تتحق ُق خارجه إلى درجة ملحوظة‪،‬‬
  ‫وجهة أخرى انبناء نصوصه الشاملة اعتما ًدا على‬       ‫إذ نقو ُم بتلقي هذه البنية بوصفها نظا ًما من سوالب‬
‫أرابيسك تكويني يجمع فيه بين متن ارتكازي يمثل‬          ‫طرق أدائية معينة‪ ..‬ونتيج ًة لذلك فإن البساطة من‬

     ‫البنية الأساس‪ ،‬وتفريعات تكون فيها القصائد‬         ‫منظو ٍر بنائ ّي هي ظاهر ٌة أكث ُر تعقي ًدا إلى ح ٍّد كبي ٍر‬
     ‫القصار بؤرة التنويع والتشعب الدلالي‪ ،‬وتبدو‬       ‫من ظاهرة التعقيد»(‪ .)3‬فالقول بأن بنية النوع تميل‬
      ‫هنا أهمية ملاحظة محمود أمين العالم بصدد‬
     ‫ديوانيه السابقين على «إنها تومئ لي»‪ ،‬إذ يرى‬         ‫إلى البساطة لا يعني أن القب َض عليها أم ٌر سه ُل‬
    ‫فيهما اعتماد رفعت سلام على القصائد القصار‬         ‫المنال فبساطتها هي ذرو ُة تعقدها‪ ،‬بل يمكن القول‬
 ‫بوصفها تفريعات للخط المتنامي في المتن الشعري‪،‬‬       ‫مع لوتمان أي ًضا‪« :‬إن نمذجة الأشكال (المعقدة) فنيًّا‬
   ‫يقول محمود أمين العالم‪« :‬وعلى جانب هذا المتن‬         ‫أبسط بكثير من تلك التي تتسم بأنها بسيطة»(‪.)4‬‬
 ‫الشعري هامش من المقطعات الشعرية المركزة التي‬        ‫وباستطاعتنا إجما ًل تعيين الملامح التي تمثل سالب‬
  ‫تعد هوامش على بعض مواضع في المتن الشعري‪.‬‬              ‫طرق أدائية سابقة في ملامح ثلاثة قابلة للإدراك‬
  ‫وقد يبدو الأمر كأنها هي تفسير أو تعميق لبعض‬
‫مواضع وكلمات في المتن‪ .‬وفي تقديري‪ ،‬إنها قصائد‬              ‫المباشر لدى أغلب القراء لشعرية تلك المرحلة‪،‬‬
 ‫مستقلة ومميزة قد يثيرها ويفجرها معنًى أو كلم ٌة‬           ‫وتتمثل أولى تلك الملامح في غياب تلك العناية‬
   ‫في المتن‪ ،‬ولكنها لها دلالتها الخاصة المستقلة؛ بل‬     ‫الواضحة بجعل الصفحة الشعرية بمثابة أيقونة‬
‫أكاد أقول إنه من الممكن أن ُتجمع في ديوان مستقل‬           ‫بصرية في كتابة الدال الشعري‪ ،‬حيث التلاعب‬
 ‫و ُتقرأ باستقلال تام عن المتن‪ .‬والواقع أن وجودها‬          ‫الواسع بمساحات البياض والسواد‪ ،‬وتوزيع‬
 ‫في الهامش يشرخ ‪-‬في تقديري‪ -‬التركيز الوجداني‬              ‫الأعمدة‪ ،‬وأشكال التأكيد على الكلمات‪ ،‬والجمل‬
   ‫والجمالي عند محاولة تذوق المتن‪ ،‬بل قد يهمشه‬       ‫وغيرها‪ .‬ويأتي الملمح الآخر الذي يغيب عن الديوان‬
  ‫بسبب هذا الهامش‪ ،‬بد ًل من أن يعمقه أو يفسره‪،‬‬             ‫مترتبًا على غياب الملمح السابق‪ ،‬حيث تسيطر‬
 ‫وخصو ًصا أن هذه المقطعات أقرب إلى الغنائية من‬         ‫الأحادية النّصية مقابل التعدد النّصي الذي شكل‬
                                                      ‫أغلب نصوصه السابقة‪ ،‬فنصوص «إنها تومئ لي»‬
         ‫المتن الذي يغلب عليه الطابع السردي»(‪.)5‬‬      ‫مبنية على نص مفرد مقابل نصوصه السابقة التي‬
   ‫يمكن أن نخرج من هذا التحليل بعدة استنتاجات‬          ‫تتفاعل فيها جدلية واسعة بين عدد من النصوص‬
   ‫حول علاقة القصائد الشاملة بالقصائد القصيرة‬        ‫تطرح نفسها بوصفها ن ًّصا‪ .‬ونتيجة لهذين الملمحين‬
                                                        ‫تبدو نصوص الديوان الذي بين أيدينا نصو ًصا‬
        ‫لدى رفعت سلاّم‪ ،‬التي يطلق عليها وصف‬              ‫شعرية قصيرة‪ ،‬أو «ومضات» شعرية وقصائد‬
      ‫(المقطعات)‪ ،‬هذا الوصف الذي ينتمي لمنظومة‬
   ‫نوعية مغايرة لا تتناسب مع الشعرية المعاصرة‪،‬‬                                               ‫قصا ًرا‪.‬‬
  ‫كما أنه من المعروف الفوارق الإبداعية بين مقطع‬        ‫لعل هذا الانعطاف نحو صياغة القصائد القصيرة‬

        ‫حر‪ ،‬ومقطع مقيد في قصيدة وتلك القصائد‬                ‫على حساب القصيدة الشاملة يطرح تساؤ ًل‬
   ‫القصيرة بخصوصيتها التكوينية‪ ،‬لكن يظل لهذا‬            ‫مه ًّما حول الانتقال‪ ،‬من شكل لآخر‪ ،‬والذي يبدو‬
    ‫التحليل بعض المصداقية هنا‪ ،‬خاصة حين نرى‬
‫بعض التماثل البنائي بين بعض تلك النصوص التي‬                ‫في جانب كبير منه تعار ًضا بين البنية المركبة‬
  ‫أشار إليها محمود العالم وبعض القصائد القصار‬          ‫والبنية البسيطة‪ ،‬أي النوع المعقد والنوع البسيط‪،‬‬
 ‫في ديواننا هذا‪ ،‬غير أننا لا نستطيع الجزم بالتماثل‬      ‫هذا الانعطاف في التجربة الشعرية على المستوى‬
   ‫الكامل أو التعميم‪ ،‬أو المجازفة بإمكانية استقلال‬
   ‫تلك النصوص في الديوانين في (ديوان) مستقل!‬              ‫الظاهري الأولي دال على كون القصائد القصار‬
 ‫ولعل هذا ما يجعلنا لا نرجح أن يكون ديوان «إنها‬          ‫تمثل حد ًثا جدي ًدا على مدونة سلام الشعرية في‬
   6   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16