Page 10 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 10

‫العـدد ‪26‬‬    ‫‪8‬‬

                                                    ‫فبراير ‪٢٠٢1‬‬

‫د‪.‬محمد مصطفى حسانين‬

‫صرخة الإشراقة الشعرية‬

‫الديوان يجسد بصورة ظاهرة عكوف سلام على الإشراقات الشعرية‬

‫المفردة‪ ،‬والعناية بمكونها الدلالي وبنيتها التركيبة التي تأتي في‬

‫صور متنوعة‪ ،‬وتأخذ مظاهر شتى‪ ،‬لكنها جمي ًعا تبرهن على تكسير‬
‫قصدي لأبنية الزمان والمكان‪ ،‬وتقليص الغنائية عبر إسباغها بلحن‬

‫شجي حزين‪ ،‬وبروزها في صرخة أو شهقة الومضة المضيئة‪ ،‬سواء‬

‫أكانت حل ًما أم كابو ًسا‪ ،‬فهي تجسيد لأحد أهم أعراف قصيدة النثر في‬
‫تلك الفترة في احتفائها بالغموض‪ ،‬وامعانها في التجريب‪ ،‬وتكريسها‬

‫لعقد نوعي للقراءة بين المتلقي والنص‪.‬‬

      ‫يضع هذا الديوان المتلقي أمام مفارقة جديرة‬     ‫القصيدة سر وعلى القارئ أن يبحث عن مفتاحه»‬
‫بالتأمل في سياق شعرية سلام وتحولاتها الجمالية‪،‬‬
                                                    ‫ستيفان مالارميه‬
  ‫فركائز الخطاب التي بلورها في ديوانيه ال َّسابقين‬
‫تغيب بمستويات ظاهرة في «إنها تومئ لي»‪ ،‬ويتعلق‬          ‫هذه الدراسة مخصصة لاستكشاف المكونات‬

     ‫الأمر بغياب بعض العلامات ال ّشكلية‪ ،‬فيصبح‬          ‫النَّصية والجمالية في واحد من دواوين الشاعر‬
   ‫هذا الغياب هو نفسه علامة قابلة للدراسة‪ ،‬يقول‬      ‫رفعت سلاّم‪ ،‬أعني ديوانه «إنها تومئ لي»‪ ،‬اعتما ًدا‬
‫موريس مرلوبونتي‪« :‬إن افتقاد علامة ما‪ ،‬قد يكون‬
                                                         ‫على حدس أولي بكون هذا الديوان يبدو مغاي ًرا‬
                             ‫هو نفسه علامة»(‪.)2‬‬      ‫لأعماله الشعرية السابقة عليه‪ ،‬ومعب ًرا عن انعطاف‬
   ‫إن افتقاد علامات معينة يظل مرهو ًنا هنا بسياق‬      ‫‪-‬بصورة أو أخرى‪ -‬في تجربته الشعرية؛ إذ نرى‬

      ‫شعري محدد‪ ،‬هو قصائد النثر في ظل تجربة‬            ‫فيه عناية خاصة بشك ٍل بنائي ينزع إلى جماليات‬
      ‫الشاعر رفعت سلام؛ لذلك فإن عملية وصف‬              ‫النص الشعري القصير‪ ،‬أو «الومضة» الشعرية‬
    ‫الشكل البسيط ليست بأيسر من وصف الشكل‬             ‫المكثفة‪ .‬والمعيار الذي نهتدي به في هذا الحدس أنه‬
   ‫المعقد‪ ،‬يقول يوري لوتمان‪« :‬فلكي يتلقى البسيط‬         ‫بإمكان القراء ملاحظة الفارق الأولي والظاهري‬
      ‫بوصفه بسي ًطا على التحديد‪ ،‬أي ليس بوصفه‬
     ‫ساذ ًجا؛ فإنه من ال ّضروري أن يكون مبس ًطا‪،‬‬          ‫من حيث البناء والشكل بين هذا الديوان وما‬
 ‫بمعنى أن يتجنب الفنان عن وعي استخدام طرائق‬            ‫سبقه؛ فديوان «إنها تومئ لي» ‪ 1993‬هو الثالث‪،‬‬

                                                          ‫بعد ديوانيه «وردة الفوضى الجميلة» ‪،1987‬‬
                                                               ‫و»إشراقات» في طبعته الكاملة ‪.)1(1992‬‬
   5   6   7   8   9   10   11   12   13   14   15