Page 15 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 15
13 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
ِبال َغا ِم ِض المُ ِضيء(.)9
لا معقولية الصور في القصيدة تأتي من تجاور
أجزائها المستمدة من منبعين متداخلين ،هما:
الكوابيس والوساوس ،إذ تحاكي القصيدة بدقة
هذا التداخل بينهما حين تتحول الوساوس إلى
كوابيس ،فلاشك أننا هنا أمام حلم مزاح إلى
كابوس ،ويتضمن هذا الكابوس كل المخاوف
المقلقة ،والأشياء المزعجة ،فدائ ًما كانت صورة
الدماء وعوالم الجن والحيوانات الضخمة والصقور
الجارحة وغيرها بمثابة مرايا عاكسة لمخاوف
الإنسان الكبرى والصغرى على حد سواء ،إنها
تغوص في اللاوعي ،وتكثف قلقه ،وتحمل على
عاتقها مخاوفه الكامنة منذ فجر التاريخ .ويتداخل
مع هذا الكابوس مجموعة من الصور التي يصرح
وساوس « َو َأس َرا ُب ال َو َسا ِو ِس
ال َما ِضي َستَّتِ ُس ُع اللَّ َيا ِل لِل َحنِي ِن بأنها محض النص
النِّ ْس َيا َنِ ،ف َت ْك ِس ُر
المُ ّر» .،وتستخدم القصيدة هذا التزاوج لمضاعفة
البنية الخيالية من جانب ،ولتجسيد وجه من
وجوه الإشراقة الشعرية ،التي تتبدى بوصفها
متاهة مسكونة بالغموض المضيء ،هذا الغموض
الذي يبحث عنه الشعر لإنارة الجوانب الخفية من
اللاوعي ،ولكن عبر تأمل مكتمل الوعي تحركه
إرادة قصدية.
هذه النزعة القصدية للغموض تجعلنا في صلب
البرنامج الجمالي لقصيدة سلام الشعرية ،التي
تراهن على السمة الجوهرية لشعرية قصيدة النثر
في الشعر المعاصر –خاصة في تلك المرحلة -في
احتفائها بتدمير المواضعات المسبقة للفهم ،وتجاوز
الفكرة المسبقة عن «الموضوعات» الشعرية ،أو
«الأغراض» التراثية للقول ،التي طالما كانت حقو ًل
سابقة على الإبداع ذاته ،يتلمس فيها المتلقي
الفهم والتفسير ،لكن التجربة الجديدة للشعرية
المعاصرة تعطي الأولوية في تصور «الشعري»
لمفهوم التجاوز والدهشة ،بل الصدمة التي تتحقق
بشكل أو آخر لدى سلام هنا في بنية الإشراقة
بغموضها وتكثيفها .إذ ينم الغموض عن السمة
الشعرية ،ويدل على تجسيد النوع لانتمائه الأدبي
وفق شروطه الخاصة في التلقي .ففي قصائد النثر
التي تركز على تلك السمات ينبغي للقارئ تلقيها