Page 20 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 20
العـدد 26 18
فبراير ٢٠٢1
النص لا يتركنا هنا صرعى تلك المجازات الموغلة في أيدينا ،إذ يمكننا أن نتلمس تلك العناصر لحظة
التجريد ،إذ يقوم الجزء الآخر من القصيدة بدور تأطيرها وفي حركة اختراقها لهذه الأنظمة الثلاثة،
الالتفاف الشارح ليمنحنا بع ًضا من حدود العالم وتقدم لنا قصيدة «مملكة» -فض ًل عن بقية قصائد
الشعري للنص ،ليدلنا على مغامرته ومحاولته الديوان -مجا ًل خصبًا للملاحظة ،تقول القصيدة:
الانفلات من حدود العالم وكابوسيته المفرطة ،عبر
ترويض الزمن والمكان لبناء مملكته في أرض بكر َق َّش ًة،
َف َق ِّش ًة ِمن ال َه َباء،
وضفاف الشعر /الحلم الذي بلا شطآن ،ولن يكون أ ْب َتنِي ُع ِّشي ال َو ِريف
ذلك إلا بتلك القفزة المجنونة التي تتآكل فيها العوالم َع َل َس َما ِء ال َها ِو َية.
أُ َد ِّل ِ -ف ال َف َضا ِء ال َّر ْحب -أ ْع َضا ِئي،
المعتادة للصور. أُ َبلِّ ُل ال َق َد َم ْين ِف َما ٍء َس َيأ ِتي
وإذا كانت القصيدة السابقة تؤسس صورها َب ْع َد أ ْل َف خ َسا َر ٍة أُ ْخ َرى،
اعتما ًدا على سيطرة التوتر الدلالي على أغلب أجزائها َوأ ْص َن ُع ِل َج َنا ًحا ِمن َص ِفي ِر ال َغا ِش َية.
إزاء الضبط الذاتي لصورتنا المكانية -البصرية عن َو ْق ٌت ِل أُ َر ِّو ُضه.
العالم ،فإن قصائد أخرى تنطوي على التوتر الدلالي َو َم ْم َل َك ٌة أُ َحا ِو ُل َها..
مع الضبط الذاتي للحس العام ،والضبط الذاتي َو َق ْف َز ٌة َم ْس ُعو َر ٌة إ َل ِض َفا ٍف َخا ِو َية»(.)21
للغة ،خاصة في اختراقها لمتصور الزمن ،فوجودها من المستطاع أن تكون نقطة انطلاقنا لتصور تلك
متجاورة لا يعني وجودها كما هي صياغة ومعني، الانزياحات العنوان نفسه «مملكة» الذي يؤسس
ثمة خلخلة يحدثها السياق الجديد ،لتفقد هويتها على صعيد التلقي تصو ًرا ذهنيًّا لاستعارة بصرية-
السابقة وتتحول إلى معنى مغاير في سياق مغاير، مكانية دالة على نماذج تمتلئ بالتملك والخصوصية
وتؤدي (وحدة المزاج) داخل النص إلى السيطرة المكانية ،حيث تصورات تتداخل فيها نماذج بصرية
على التنافر ،وتكوين رمز متسق ،يقول فراي: مع منح قيم خاصة دالة على السعة والرفاهية،
«الصور الشعرية لا تقرر شيئًا ولا تشير إلى شيء، لكن هذه الاستعارة البصرية المكانية تتنزل مع
بل هي تشير إلى بعضها البعض ،وبذلك توحي أو أول كلمات القصيدة لتزرع المكان على عش شجرة،
تستحضر المزاج الذي يشيع في القصيدة ،وهذا ليكون فيها مسكن الطائر الملحق ليبني عشه «قشة
يعني أن الصور تعبر عن المزاج وتوضحه»(.)22 فقشة ،»..لكن هذا التصور الجمالي المعتاد في أنساق
سابقة من الشعر ،يخضع هو الآخر لحركة من
-5- الانزلاق والانزياح المفاهيمي حين يخضع لتركيب
إسنادي متنافر دلاليًّا معه ،حيث نرى «قشة من
لعل جملة الانعطافات والانحرافات الشعرية الهباء»! ،وتتصاعد حركة الانزياح حين تتعارض
السالفة ،تمهد لخطوة أكثر تقد ًما في الوعي بسمة على صعيد الضبط الذاتي للغة والتصور المكاني،
تلك العلاقة المتوترة بين حركة البناء والاتساع
جوهرية في قصائد الديوان ،تنهل من الحزمة «أ ْب َتنِي ُع ِّشي ال َو ِريف» وتفريغ المعطى البصري
المتضافرة من الأساليب الشعرية وجدل ارتباطها لاتساع السماء لتكون فضاء الهاوية! « َع َل َس َما ِء
ال َها ِو َية» ،وتواصل القصيدة هذا التحدي حين نرى
النّصي .إذ يجمع بين تلك النصوص بدرجات انزياح الزمن الخطي وتخطيه فالطائر /الشاعر
متفاوتة خاصية جمالية وشعرية يمكن أن ندعوها يقوس حركة الزمن ويحولها لحركة نسبية يحضر
التوتر الدرامي ،الذي يتشكل من جملة الانزياحات فيها المستقبل في الحاضر ليبلل قدميه في ماء
سيأتي! ويضبط إيقاعه اللغوي على صعيد رؤيوي
عن قواعد الضبط الذاتي للغة التي حللنا بعض مجازي فيصنع من صفير الغاشية جناحه! لكن
تجلياتها ،ويتزامن هذا الملمح الجمالي مع سمات
خاصة تقود القصيدة إلى لحظة مأزومة دالة على
حالة مفردة مكتنزة ومكثفة ،مما يقود القصيدة
إلى نوع من التوتر والصدمة والقفزة المفاجئة،