Page 21 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 21

‫‪19‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

    ‫التجزئة والتفتيت للواقع‪ ،‬والتوتر بين الأسماء‬                                                             ‫لكن هذا التوتر الدرامي ليس توت ًرا حسيًّا أو توت ًرا‬
‫والحمولة الخبرية عنها‪ ،‬ويتضاعف التوتر بالتضاد‬                                                                     ‫عقليًّا قائ ًما على تعارض العلاقات السببية‪ ،‬بل‬

    ‫الحاد بين قسمي القصيدة‪ ،‬فيمثلان م ًعا حركة‬                                                                ‫التوتر قائم على نوع من الذهنية وغياب العلاقات‬
‫تضادية كبرى‪ ،‬تنتقل فيها القصيدة من السلبي إلى‬                                                                   ‫السببية والدخول في علاقات مسوغها الأساس‬

                                ‫الإيجابي‪ ،‬يقول‪:‬‬                                                              ‫مبدأ «الإشراقة الشعرية»‪ ،‬وتخطي الحدود العقلية‬
                ‫ُج ْد َرا ٌن‪َ ،‬و َم َزالِي ٌج‪َ ،‬و َس ْق ٌف َوا ِط ٌئ‪،‬‬                                                                               ‫المعتادة‪.‬‬

                              ‫َو َم ْو َتى ِبل َا َس َماء‪.‬‬                                                       ‫وإذا تأملنا عمل هذا التوتر سوف نلحظ التوتر‬
                      ‫ِ َفش ْي ُُظخ ْلوَم َِةخ اٌةل َتَّز َْوسا ََيعا‪،‬ى َع َل َو َج ٍل‬                      ‫الدرامي في تضافر عدد من المكونات المتداخلة تتكفل‬

                                  ‫َو َف َضا ٌء َع َماء‪.‬‬                                                         ‫بنسج النصوص الكثيفة‪ ،‬منها التوتر القائم على‬
                                ‫َعن َك ُبو ٌت َي ُموت‪،‬‬                                                         ‫تكافؤ الأضداد‪ ،‬والتضاد البنائي‪ ،‬وظهور التوتر‬
                        ‫ََنوَاْحصن َلْرٌِةط ََفخَات ٌةءِر‪َ .‬فُّافلِ َت َرٌة َّف َتًة ْ‪،‬ذ ِوَو َتي ْ‪.‬ه ِوي‪.‬‬     ‫الدالي الدال على تشغيل الأبعاد المكانية والزمنية‪،‬‬
                                                                                                                ‫وإن غلب البعد الزمني على المكاني بشكل ظاهر‪.‬‬
           ‫َو ِل‪َ :‬ما َي ْم َن ُح ال ُّس ُهو َل َع ْص ُفو ًرا َطلِي َقا‪.‬‬                                    ‫ولكن يغمر البعد الزمني في نزوع على الإلغاء في ظل‬
           ‫ِل‪َ :‬ما َي ْم َن ُح ال ُع ْص ُفو َر َو ْر َد َة ال ِغ َناء(‪.)25‬‬                                     ‫مشاهد ذهنية‪ .‬ولقد لاحظ تلك السمة في الديوان‬
      ‫علينا أن ندرك أو ًل أهمية الفراغ الطباعي في‬                                                           ‫رمضان بسطاويسي في مقال تحت عنوان «انكسار‬
 ‫القصيدة‪ ،‬إذ ينهض بدور مركزي في إقامة حد أو‬                                                                   ‫ال ُحلم وانصهار حدود الزمان الكتابي»‪ ،‬ليصل في‬
‫فاصل بين قسمين أو حركتين للقصيدة‪ ،‬الحركتان‬                                                                  ‫نهايته إلى وجود دراما تشكل بنية الديوان العميقة‪،‬‬
   ‫مركزهما الخبر المقدم من الجار والمجرور (لي)‬                                                              ‫وأن «هذه الدراما الداخلية تنبعث وتومض وتضيء‬
    ‫والذي يدل على الحصر والملكية والاختصاص‬                                                                  ‫وتحترق‪ ،‬لتغيب في الفوضى‪ .‬وتتداخل هذه الأزمنة‬
    ‫بالشيء‪ ،‬والمستقى من تقديم الخبر على المبتدأ‬                                                               ‫من جديد في الفعل اليومي‪ ،‬لكنها لا تعلن السيادة‬
    ‫هنا‪ ،‬وهذا التقديم يأخذ شكل الأيقونة الدلالية‬
‫حين يحمل عنوان القصيدة نفسه تقدم الخبر (لي)‬                                                                        ‫لأي زمان على الأزمنة الأخرى؛ فيعود للحلم‬
  ‫ليكون ما بعده مبتدأ له‪ ،‬فجسد النص يلتحم مع‬                                                                  ‫بـ»جلوة» يتطهر بها من الألم المروع الذي يحدثه‬
  ‫بنية النص بواسطة العنوان؛ فيكون القسم الأول‬
                                                                                                                                   ‫التشظي والانقسام‪.)23(»..‬‬
                                 ‫على هذا النحو‪:‬‬                                                             ‫ويمكن القول بأن هذه الدراما من ضمن مؤسستها‬
  ‫[لي ‪( +‬جدران ومزاليج‪ + ..‬شيخوخة‪ ..‬وفضاء‬
‫عماء ‪ +‬عنكبوت يموت ‪ +‬نحلة‪ + ..‬صرخة فالتة)]‪.‬‬                                                                        ‫الجذرية طبيعتها المكثفة القصيرة واعتمادها‬
                                                                                                              ‫بصورة ضمنية على أحد أهم أشكال قصيدة النثر‬
            ‫أما القسم الآخر فمكون من جملتين‪:‬‬                                                                  ‫وهو القصيدة‪ -‬الإشراقة‪ ،‬التي يعي سلام بشكل‬
      ‫(ولي ‪ +‬ما يمنح‪[ ،..‬توازي تركيبي] لي ‪ +‬ما‬                                                                ‫جلي إمكاناتها وبرنامجها الجمالي‪ ،‬خاصة في ذلك‬
                                                                                                              ‫الملمح الذي تشير إليه سوزان برنار ‪-‬اعتما ًدا على‬
                                      ‫يمنح‪.)..‬‬                                                               ‫رامبو‪ ،-‬في قيام القصيدة‪ -‬الإشراقة على «تقليص‬
   ‫يتنامى القسم الأول اعتما ًدا على ظاهرة التعداد‬                                                            ‫الزمن الحقيقي إلى الحد الأدنى‪ ،‬حيث أن القصيدة‬
‫والتراكم التركيبي لتنويع البؤرة الابتدائية المؤخرة‬
   ‫مصحوبة بأوصاف‪ ،‬وما يعنينا شعر ًّيا هنا أنها‬                                                                   ‫ستقدم في شكل «كل» موجز للغاية‪ ،‬يهدف إلى‬
 ‫جمي ًعا تبدو دالة على التجزئة والتشتت‪ ،‬وتجمعها‬                                                                 ‫أن يولد لدى القارئ الانطباع بالصدمة‪ ،‬والهزة‬
  ‫أحاسيس مشتركة يستشعر القارئ فيها صورة‬                                                                      ‫الشعرية المباشرة والمكثفة للغاية»(‪ .)24‬بمعنى آخر‪،‬‬
‫كلية محطمة تخلق انطبا ًعا سلبيًّا في كل جملة‪ ،‬على‬                                                              ‫فإن الخاصية الشكلية والمنطق الإبداعي يسيران‬
                                                                                                                 ‫بالقصيدة نحو توترها الدرامي بتكسير المنطق‬

                                                                                                                         ‫المتعارف عبر «بريق ساطع وفوري»‪.‬‬
                                                                                                                  ‫وتعد قصيدة (لي) نموذ ًجا حيًّا لمعاينة التوتر‬
                                                                                                             ‫الدرامي الذي يستمد طاقته من اعتماد واضح على‬
   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26