Page 18 - ميريت الثقافية- عدد رقم 26 فبراير 2021
P. 18
العـدد 26 16
فبراير ٢٠٢1
المريرة ،يقول: تجد خلاصها في إفاقتها ولا تجد نبوتها في فجر
َصر َخة استحال إلى زمن قادم حبيس وكأنه نبوءة محرمة.
َت ُح ُّط ِ -ف ال َّص َبا ِحَ -فو َق ُشبَّا ِكي.
وليس بغريب اقتران تلك الذات بنزوع مونولوجي،
أ ُه ُّش َها:
َت ُح ُّط َف ْو َق َش ْع ِري: لا يكشف عن نفسه ،بقدر ما يدخل في حالات من
أ ُه ُّش َها: الحلم والرؤيا ،والتوحد ،فيغدو بمثابة نظام رمزي
َت ُح ُّط ِف َق ْلبِي.
للذات وتصوير لفضاءاتها الملتبسة الغامضة ،لكنها
أ ُقول:
تشف بدرجات كبيرة عن انفعالات السأم والضجر.
َحا َن َمو ِع ِدي ال َم ِرير(.)16 إنها ذات مأخوذة من الداخل بالتعارضات التي
ويتكرر النموذج الوصفي ذاته كاش ًفا عن نفسه
ينفي بعضها البعض ضمنيًّا .ويظهر ذلك في جسد
القصيدة ذاته ،في دورة البدء والختام المبنية على ما
منذ البداية في صدر عنوان قصيدة «صرخة» ،لتقيم يشبه المقابلة على نحو ما نراه في قصيدة «قتيلا»:
ََعجَ ِملي َ َلخ.ا ِص َرة الأ ْر ِض ،أم ِضي
التعادل الدلالي السلبي حين توحد الصرخة بين
القصيدة والموت ،وبين الحلم والطعنة المفاجئة، َك َّفايَ :فا ِر َغ َتان.
ليعود من شواطئ النوم حام ًل (المحار المر) بما
َق ْلبِيَ :شا ِس ٌع لِل َّط ْع َن ِة المُ َفا ِج َئة.
تشف عنه من دلالات الخسارة والألم:
ِف َس َما ِء النَّ ْوم، ِخن َج ٌر ال َّش َب َق المُ َرا ِو َغِ :ل. ََشش ْ َيج ٍء ٌر ُيأُ َْعشلِّبُِمهه َف ُك ُّل
َو ْع ًدا ِبال ُف َجا َءة. َي ْم ُر ُق ُي ْع ِطي ال ِك َتا َب َة َوال ِغ َناء. َو ِل:
ال َو ْق َت
َل َأ ُكن َحيًّاَ /،ول َا ُكن ُت َقتِي َل. ُثم
ُكن ُت َأ ْل ُهو ِبال َم َحا ِر المُر، أ ْم ِضي َعنه
َأ ِحْيس َتَنل ِق َفيَّر َعت َل َ َصر ْرْم َ ٍلخ ٌة َبِ ،ع/يدَوَ ،ح َّطتِ /ف َي ِدي(.)17 الأ ْرض- َ -ع َل َخا ِص َر ِة
َقتِي َل(.)15
فلم يعد الشاعر ذلك السندباد العائد باللؤلؤ إن التوازي بين جملتي الافتتاح والختام يوفر
والمحار ،أو متو ًجا بتاج الورد والياسمن ،أو حام ًل
« َص ْر َخ ٌة َفالِ َت ٌة سيا ًقا لتبئير الدلالة المتعارضة ،ويوفر التناسب
صدى الوحدة
َت ْذ ِوي رايات الانتصار ،بل هو الصوتي والتوازي التركيبي بين (جميلا /قتيلا)
والتلاشي َوان ِط َفاء»( ،)18فالصرخة
نبرة شعرية مفعمة بالأسى والحسرة ،وبين تلك
والأحلام الوحشية ،وكثافة الخواء المضاد للكورس الدورة تتهادى صور دالة على الاستغناء مقابل
والجوقة؛ فالصرخة الخيانة ،والشبق المراوغ مقابل الغناء المتروك على
وجه من وجوه خاصرة الأرض القاتلة للجميل!
تعالق إرادة الانكفاء وتكشف تلك المونولوجات الداخلية عن حضورها
مع إرادة الاستكفاء، الفادح في الغياب ،الذي هو حضور الصمت ،الذي
أو الصمت الإيجابي يقطع أوتار اللحن الغنائي الأجوف ،وينطلق في
الذي تخرج فيه شكل «صرخة» تكون تجسي ًدا لمناوأة السائد
الصرخة دويها الغنائي ،أو ما عبر عنه مرة «بالغناء الكظيم» .لذلك
المضارع للطلقة تستحيل القصيدة إلى صرخة .وتشف القصيدة
المجازية للتمرد الأولى من الديوان بعنوانها الدال «حان» عن هذا
الفردي ،يقول: المعني ،إذ تتماوج في مكوناتها المجازية نزعة ضد
َيَجخ َ ُرس ِدُج ايل َم َوَ ِئساي َُءداِ :من
َط ْل َق ًة، غنائية ،وتبني في أنحائها نس ًقا لوصف دورية
التحطم والخسارة ،ونبذ الأحلام الآملة وترهين
الأحلام الآفلة ،كأنه موعد يومي مع المراودة