Page 123 - مسيلة للدموع
P. 123
هدوٌء شديد يتخلله صوت السجينات النائمات ،صو ٌت من كثرة تك ارره كل ليلة أصبح مألوفا ،ولم يعد
ُيسمى ضجيجا ،بل صار وكأنه ليس مسموعا أصلا ،والغالب في الأجواء هو الهدوء الكاسح.
ساعدها الهدوء والظلام أن تبتعد بخيالها ،وتذهب معه في رحلة إلى أحلامها؛ أحلامها الصغيرة التي لم
تتطلب شيئا مستحيلا سوى أن تعيش حياة الأحياء،لم تطلب حياة فوق حياتها أو أحلاما تتحقق من تلقاء
نفسها ،ولكن لصوص الحياة يسلبون حياتك ،ويعطونك بدلا منها أحكاما ،و أياما على ذ َّمة التحقيق.
هؤلاء الأموات شكلا وموضوعا ،الأموات قلبا ،وقالبا ،وروحا ،وضمي ار ،وانسانية ،يريدون الشعوب
أصناما ،توضع في الموضع الذي يحبونه ،لا تسمع ،لا ترى ،لا تتكلم ،لا تفكر؛ لتتحول البلاد إلى
متحف كبير ممتلئ بالتماثيل ،يتم افتتاحه وسط عرض عسكري ،وُيقص الشريط بالمقص الميري ،وسط
احتفالات تحت عين العسكر.
صو ٌت غريب يقطع هدوء تالا ،ويفيقها من عمق الخيال ،ربما كان ذلك الصوت خيالا أيضا من فعل
عقلها الذي لا يك ّف عن الثرثرة والعمل.
تجاهلت تالا ذلك الصوت ،ولكنها سرعان ما سمعته مرة أخرى بشكل أوضح ،أيقنت أنه ليس خيالا ،ربما
صوت إحدى السجينات النائمات ،لكنه ليس كذلك؛ فقد كان الصو ُت قريبا جدا ،وكأنه تحت قدميها.
خافت تالا؛فقد كانت مفتقدة للشعور بالأمان منذ دخلت إلى السجن ،مرو ار بسماعها صوت الص ارخ،
وصولا إلى ذلك الصوت غير المفهوم.
قامت تالا لتجلس إلى جانب الحاجة سلوى التي كانت تصلي قيام الليل ،اقتربت منها؛لعّلها تلتمس منها
بعض الأمان.
كانت الحاجة سلوى تُطيل السجود ،أ اردت تالا أن تقوم الحاجة سلوى من سجدتها الطويلة لكي تتحدث
معها ،وتُهّدئ من روعها ،وتكسر حالة السكون السائدة هذه ،وتبدلها بشيء من الضجة التي تبعث
الطمأنينة.
123
مسيلة للدموع