Page 121 - مسيلة للدموع
P. 121
أ ُهناك ضوء أجمل من ذلك الذي يتسرسب في الظلام؟وغي ٌث يهطل على صح ارَء جردا َء فُينبت بها نخلا
وصّبا ار؟ أتُنسى السعادة التي تأتي في عمق الأح ازن فتزيحها عن قلبك ،وتتربع على عرشه دون منازع؟
تلك السعادة المهيبة التي تُخيف الأح ازن وتطردها بعيدا ،فيهاُبها كل شيء ينوي أن يصنع حزنا ،واذا
مّرت تلك السعادة ،وَم َضت عليها السنين ،وأصبحت ذكرى ،لا تُ َمل ،بل تُسعدك في كل مرة تتذكرها.
في ُعم ِق السجن ُغرفة مرتبة ،بها ُمكّيف ،وك ار ٍس أنيقة ،ومكتب كبير ،كانت غرفة إدارية لضباط السجن،
دخل آسر ،واثنان من الشهود ،والموّكل ،والمأذون ،لم تدخل حورية بعد؛ لأنها لم ترد أن تدخل وحدها
دون أمها ،الظابط لم يكن موافقا على إدخال والدة حورية معها ،وبعد كثير من المحاولات والمحايلات
وافق أن تدخل أمها معها.
دخلت حورية بفستانها الأبيض الرقيق ،لم يكن فستان زفاف بشكله المعتاد ،بل كان أبسط من ذلك بكثير،
كانت كنور شديد السناء دخل الغرفة فبّدد ظلامها كله ،وفّرقه خارج جد ارنها ،بدت حورية كالقمر تماما ،لا
ُيضيء وحده ،بل لابد للشمس أن تنعكس عليه حتى يضيء ،وكما أن القمر لا ُيضيء إلا بوجود
الشمس ،فلا تُضيء حورية إلا بوجود آسر.
بينهما نظرة ثابتة ،وحوار طويل بلا كلام ،إنما تتولى أمره النظ ارت فقط ،وكأن الكون بسعته لا يحمل على
ظهره غيرهما ،وكأن ما حولهما كله فضاء.
اختفى كل شيء حولهما ،ولم تب َق إلا عيناه تُحادث عينيها ،وعيناها ت ُرّد على عينيه ،والمأذون يلقي
الخطبة ،ولسان حالهما يقول :أط ِل ال ُخطبة ولا توجز ،استفض واسترسل في الحديث؛ فإ َّن لدينا الكثير
لكي نقوله ،لا تُن ِه اللقاء رجاء.
وبعدما انتهى المأذون من خطبته استدعى آسر وحورية؛ لاستكمال إج ارءات العقد المعروفة ،حتى انتهى،
فتبادل من في الغرفة المباركات والتهاني.
لم يسمح الضابط بإطالة اللقاء أكثر من ذلك ،ولم يسمح لآسر وحورية بالجلوس سويا بعد العقد.
اختلس آسر دقيقتين فقط ،اقترب نحو حورية ،وانحنى عند أذنها ،وقال:
-بقية التسجيل يقول :حينها سأخبر الله بأني مؤمن ،وسأخبرِك بأني أحُبك!
121
مسيلة للدموع