Page 117 - مسيلة للدموع
P. 117

‫ه َّمت حورية بالحديث‪ ،‬وقد رفعت عينيها الخجولتين اللتين تغالبهما؛ لكي لا تنحنيان نحو الأرض‪ ،‬وقالت‪:‬‬
       ‫‪ -‬الرجال لا يت ارجعون عن وعودهم‪ ،‬أليس كذلك؟ ألم أعدك منذ بداية الطريق أننا سنسير معا فيه حتى‬

                                             ‫النهاية؟ ألم تخبرني بكل المخاطر التي سنواجهها معا وأناوافقت؟‬

                                                                              ‫فلنن ّصف بيننا الألم والصبر‪..‬‬
                                                                ‫ولتخفف عني الوحدة‪ ،‬وأخفف عن َك السجن‪..‬‬

                                                                           ‫ولتحس حريتي‪ ،‬وأحس سجنك‪..‬‬
                                                                     ‫وتستشعر افتقادي‪ ،‬واستشعر َوح َشتَك‪..‬‬

       ‫أ ار َك كل أسبوع أو أسبوعين مرة واحدة‪ ،‬فنفترق؛ ليتجدد الشوق بيننا‪،‬ثم نلتقي كل مرة بلهفة أول مرة‪،‬‬
       ‫ونغزل من خيوط السجن سعادة حرة‪ ،‬ومن خيوط الظلام فرحة من نور‪ ،‬ونجبر السجن على أن يكوَن‬

                                                                        ‫سجينا فينا؛ لنبقى أح ار ار أبد الدهر‪.‬‬
                                          ‫فأنا حريتك حتى تتحرر‪ ،‬وعونك بعدما تتحرر‪ ،‬وقوية فوقما تتصور‪.‬‬
       ‫أليست حياة مختلفة‪ ،‬وحكاية ُيخّلدها التاريخ؟ أليس هذا من ضمن اختبا ارت الحق التي قلت لي إننا لابد‬
       ‫أن ننجح فيها‪ ،‬ونتحدى الأحكام‪ ،‬وننتصر على الأح ازن‪ ،‬وأن نصنع سعادتنا رغما عن أنف الظلم‬

                                                                                                ‫والطغيان‪.‬‬

       ‫ألم تخبرني بأن علينا فعل ذلك؛ لكي نكون مؤمنين متحابين‪ ،‬وحينها ستخبر الله بأنك مؤمن‪ ،‬وستخبرني‬
                                                                                                  ‫بأنك‪...‬‬

                ‫سكتت حورية‪ ،‬وابتسمت‪ ،‬وأخفضت عينيها نحو الأرض؛ فآسر لم يكمل بقية الكلام في تسجيله‪.‬‬

       ‫كان آسر ينصت إلى حديثها وهو صامت‪ ،‬ولم يقاطعها سوى بابتسامة ثابتة حتى انتهت من حديثها كله‪،‬‬
                                                                                          ‫فقال لها مازحا‪:‬‬

                                                                                   ‫‪ -‬أين تعلم ِت ال َخطاَبة؟‬

                                                                    ‫‪ -‬كنت أسمع شريطك ال ُمس ّجل كل يوم‪.‬‬

                                      ‫‪ -‬إذن‪ ،‬إذا أحضرتم المأذون فاستدعوني‪ ،‬سأكون بانتظاركم في الزن ازنة‪.‬‬

‫‪117‬‬

                                                                                             ‫مسيلة للدموع‬
   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122