Page 114 - مسيلة للدموع
P. 114
اليوم نق َص فرد من المعتقلين في الزن ازنة ،في كل مرة كان ينقص عدد الأف ارد في الزن ازنة تكون بشرى،
وفرحة ،ونذير حرية بب ارءة هؤلاء الأف ارد ،ولكن هذه المرة لم يغادر محمد لأنه حصل على حكم بالب ارءة،
ولكن نتائج التحاليل التي أج ارها له والداه على نفقتهم الشخصية أوضحت أن محمد مصاب بسرطان الدم،
وأن نسبة السرطان في جسده وصلت إلى .%93
تعنتت إدارة السجن في تشخيص حالته ،ونتاجاللإهمال الطبي ،والُزهد في أرواح المعتقلين وآلامهم ،تمّكن
السرطان من جسد الفتى ،وبالحسابات الطبية فإن نسبة الشفاء ضعيفة ،إن لم تكن منعدمة ،ولكن يبقى
الأمل في الحسابات الإلهية.
انتقل محمد من الزن ازنة مودعا الرفاق ،وحاملا معه ألم المرض والف ارق.دخل المعتقل صبيا يافعا ُمعافى،
وخرج منه شابا كبي ار مريضا بالسرطان.
ألا ليت السرطان يصيب الظلم ،فيرديه قتيلا بابتهالا ٍت لم تك ّف عن المناجاة أن خِسئتم أيها الظالمون!
ازدادت الزن ازنة ظلمة على ظلمتها ،وكآبة فوق كآبتها ،وأُضيفت حكاية إلى حكايات الظلم ،لتبقى الزن ازنة
المعزولة تلك فاضحة رغم عزلتها ،شاهدة حتى وان رحل الشهود ،زن ازنة مكلومة ،فقدت واحدا من
ساكنيها ،وأودعته المستشفى بيديها ،أشبعته ألما عندما كان فيها ،وبعدما أخرجته تركته معلول النفس
والجسد.
ومعتقلون لا يدرون على أي شيء يجب أن يحزنوا؟ على مرض محمد الخبيث؟ أم على ف ارقه؟ أم على
حكم المؤبد بحقه ،وحق من معه؟ أم على أنهم أصلا معتقلون.
ُفتح باب الزن ازنة فأحدث ضجيجا مكتوما ،ونُوِد َي على أسماء المعتقلين ال ُمحدد موعد زيارتهم اليوم..
في كل م ٍرة يلملمون أوجاعهم ،وُيخبئون أح ازنهم ،ويخرجون لاستقبال أهاليهم في الزيارة متصّنعين البسمة،
ولكن هذه المرة مهما حاولوا أن يلملموا الجرح فإنه ينزف رغما عنهم.
خرج آسر ،ولم يكن يقوى على الابتساممثل كل من معه ،وكأن طاقة التصُّنع قد نفدت ،وكأن أسنانه
وشفتيه في ص ارع كبير ،كلما ه ّمت شفتاه بالتب ُّسم َرّنت أسنانه بنغما ٍت كالبيانو قائلة :كاذبة كاذبة ،أسدلي
الستار عل ّي أيتها البسمة الكاذبة.
114
مسيلة للدموع