Page 109 - مسيلة للدموع
P. 109

‫أخذت أم آسر تمسح على أرس حورية دون كلمة‪ ،‬فاطمة جالسة معهن متشبثة بذ ارع أمها‪ ،‬كل من بقيت‬
                             ‫لديه القدرة على الكلام يواسي بها الآخرين‪ ،‬فقد بلغ الوجع مداه‪ ،‬واستُنفذت الطاقة‪.‬‬

       ‫غادروا قاعة المحكمة‪ ،‬ركبوا السيارة‪ ،‬والصمت سائد‪ ،‬لا أحد يتكلم طوال الطريق‪ ،‬حتى إذا ما وصلوا‬
                                          ‫البيت‪ ،‬والصمت ما ازل حاض ار‪ ،‬ه َّمت أم آسر بالحديث إلى حورية‪:‬‬

       ‫‪ -‬حورية‪ ،‬يا ابنتي‪ ،‬تعلمين أن معّزتك من معّزة فاطمة تماما‪ ،‬وستظلين مهما حدث‪ ،‬الآن لا ألومك يا‬
                                                                  ‫عزيزتي‪ ،‬لس ِت مجبرة على الارتباط بآسر‪.‬‬

                                                                             ‫فزعت حورية‪ ،‬وردت بانزعاج‪:‬‬
                                                                              ‫‪ -‬ما الذي تقولينه يا خالتي؟‬

       ‫‪ُ -‬بنيتي‪ ،‬أن ِت فتاة جميلة‪ ،‬والعمر أمامك طويل‪ ،‬لن نظلمك بأن نجبرك على أن تبقي مقيدة بين سجن‬
                      ‫ومحاكمات‪ ،‬وتشاهدين خطيبك في وقت الزيارة لدقائق معدودةفقط‪ ،‬أليس هذا أم ار عصيبا؟‬

                                                                          ‫‪ -‬يا إلهي‪ ،‬ومن قال إنني مجبرة؟‬

                                           ‫‪ -‬فّكري جيدا يا عزيزتي‪ ،‬ولا تجعلي مشاعرك تتحكم في مستقبلك‪.‬‬

                                                                                    ‫تدخلت فاطمة‪ ،‬وقالت‪:‬‬
       ‫‪ -‬تفاءلي يا أمي‪ ،‬ومن يدري هل الحكم سينفذ أم لا؟ أم أن الانقلاب العسكري المقيت ذلك سيستمر أم‬

                                                            ‫سيأذن الله بسقوطه إلى الدرك الأسفل من جهنم؟‬

       ‫‪ -‬معك حق يا فاطمة‪ ،‬ومن يعلم؟ نحن لا نعلم شيئا‪ ،‬ولسنا نحيط بالغيب علما‪ ،‬أنرضى للفتاة أن تعيش‬
                                                                                 ‫معاناة ليس لها ذنب فيها؟‬

                                                                                     ‫ردت حورية مستنكرة‪:‬‬
       ‫‪ -‬أستحلف ِك بالله يا خالتي ألّا تكرري هذا الحديث مرة أخرى‪ ،‬لست مجبرة على شيء بل إنه اختياري‪ ،‬هذا‬
       ‫ما اتفقت عليه أنا وآسر من أول يوم‪ ،‬واني قد وافقت على خطبتي من آسر مع علمي بمجريات الأمور‬

               ‫ومخاطرها‪ ،‬وقد تعاهدنا أن نكمل الطريق سويا‪ ،‬فهل أنكث عهدي معه؟ والله لن يحدث هذا أبدا‪.‬‬

‫‪109‬‬

                                                                                             ‫مسيلة للدموع‬
   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113   114