Page 108 - مسيلة للدموع
P. 108

‫‪ -‬ليس لهم من يتكلم نيابة عنهم‪ ،‬ولا أحد يسمع أصواتهم وصرخاتهم‪ ،‬إنهم في عالم منعزل عن العالم‪،‬‬
                      ‫يحيون الموت كل دقيقة‪ ،‬أليست هذه منصة العدالة التي يجب علينا أن نشتكي لها الظلم؟‬

                                                                 ‫‪ -‬أنت هنا متهم‪ ،‬لا تتكلم إلا عن قضيتك‪.‬‬

                                              ‫‪ -‬بل أنا معتقل بظلم‪ ،‬وأروي شهادة ظلمي‪ ،‬وظلم من هم مثلي‪.‬‬

       ‫أمر القاضي بسحب (الميكروفون) من آسر؛ متعللا بأن الوقت ال ُمحدد له قد انتهى‪ ،‬أُعطي (الميكروفون)‬
       ‫لمحمد بعدما أحضروا له كرسيا؛ ليجلس عليه أمام منصة القضاة‪ ،‬وبدأ الحديث بصو ٍت ُمت َعب هزيل‪،‬‬

                                                                                             ‫بالكاد ُيسمع‪:‬‬
       ‫‪ -‬سأروي تعرضي للتعذيب من قبل الأجهزة الأمنية‪ ،‬فقد تم تعليقي على مدار ثلاثة أيام‪ ،‬وأثناء التعليق‬
       ‫كانت تمارس ضدي شتى أنواع التعذيب‪ ،‬حتى أنهم كانوا يشعلون النار في لحيتي‪ ،‬تعرضت للضرب‬
       ‫والصعق بالكهرباء‪ ،‬كان معي أثناء فترة اعتقالي معتقلون آخرون يدخلون المعتقل أطفالا ُق ّصر‪ ،‬ويخرجون‬

                                                                                               ‫منه رجالا‪.‬‬

                                                                         ‫صاح القاضي‪ ،‬وقد اشتعل غضبا‪:‬‬
                                                ‫‪ -‬لماذا تت ارفعون جميعكم عن غيركم؟ تحدث عن نفسك فقط‪.‬‬

       ‫‪ -‬أثناء فترة اعتقالي أصابتني مشكلات صحية‪ ،‬وأنا الآن لا أستطيع الوقوف على قدم ّي‪ ،‬وحالتي كل يوم‬
       ‫تزداد سوءا‪ ،‬وأطباء مستشفى السجن في كل مرة يش ّخصون الحالة بتشخي ٍص مختلف‪ ،‬فأطالب بعرضي‬
       ‫على الطبيب الشرعي؛ لإثبات تعرضي للتعذيب أنا وزملائي‪ ،‬والسماح لي بعمل فحوصات على حسابي‬

                                                                                               ‫الشخصي‪.‬‬

       ‫وبعد سماع الشهادات‪ ،‬وت ارفع المحامين‪ ،‬وترقب الأهالي‪ ،‬ضرب القاضي بعصاه الخشبية‪ ،‬وأصدر‬
                                                                       ‫حكما(حبس ‪ 25‬سنة لكل المتهمين)!‬

       ‫انكّبت حورية على أحضان أم آسر‪ ،‬الجميع يبكي بكاء صامتا تصعد منه أَّنات مكتومة محاولة التنفيس‬
                                                                     ‫عن بركان الحزن الذي يعبث بالقلوب‪.‬‬

‫‪108‬‬

                                                                                             ‫مسيلة للدموع‬
   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113