Page 105 - مسيلة للدموع
P. 105
أيفكر أحد بنا ،وبما يقع علينا من ظلم وتنكيل؟ هل انتزعت الحرية شيئا من حيز التفكير لدى هؤلاء
المتبعثرين في الطرقات؟ وان كانت قد فعلت َفلَِم نحن تحت قيد الاعتقال حتى الآن؟
كان الجو قد بدأ يزداد ح اررة ،خاصة في وقت الظهيرة ،ومع ت ازيد أعداد المعتقلين المتكدسين في تلك
الصفيحة الضيقة ازدادت الأجواء ح اررة واختناقا.
مر على خاطر آسر ضحايا عربة الترحيلات ،وكيف تم قتلهم ،وحبسهم في تلك المساحة الخانقة ،في
ذروة الحر ،واطلاق القنابل المسيلة للدموع داخل العربة ،حتى تفحمت أجسادهم؟ نزفت جروح في نفسه لم
تكن لتندملُ ،فتح ال ُجرح من جديد ،وُفتحت العربة؛ لينزل المعتقلون منها؛ليدخلوا قاعة المحاكمة.
************
ُدِفع بالمعتقلين إلى داخل المحكمة ،ومحمد مسنود على كتف آسر ورفيق آخر ،أُدخلوا القفص ،ومحمد لا
يقوى على الوقوف ،وقد بلغ به الإعياء مداه ،جلس محمد وكان وجهه شديد الشحوب ،وكأن الدم لا يصل
إليه ،ساعده آسر في أن يستلقي على المقعد الخشبي الموجود في القفص.
أخذ آسر ُيدّلك قدمي محمد؛ لعّله يخفف عنه بعض الألم ،ولعل الدم يجري في جسده ،بعدما بدا أنه قد
توقف عن الحركة.
بدأت الجلسة ،وت ار ّص صف القضاة بملابسهم السوداء الأنيقة ،ووشاحهم الأخضر المائل على صدورهم،
ومن خلفهم مي ازن العدل ،الذي أصبح َخربا ،لا يقيس إلا مدى الباطل ،ربما أصابه تلف من زيادة أحمال
الظلم عليه ،أو ربما استقال بعدما انتكست العدالة.
وعلى اليمين قفص الاتهام ،الذي –وياللدهشة! -أكثر من يقف به ضحايا ،وليسوا متهمين ،ولو كانت
للعدالة روح تحيا في هذه الدولة لصار الوضع معكوسا ،ووجب على القضاة ومن يملي عليهم أحكامهم
الباطلة أن يكونوا متهمين بل ُمدانين.
105
مسيلة للدموع