Page 102 - مسيلة للدموع
P. 102
صوت ص ارخ يبدو مرتفعا لكَّنه بعيد ،يأتي من خارج الزن ازنة ،وكأنه اخترق الأبواب والحواجز ،وح ّطم
الأقفال والسلاسل الضخمة التي تلتف على أبواب الزنازين حتى خنقتها ،كحَّية التّفت على فريستها حتى
تمكنت منها ،ولم يعبأ ذلك الصوت بالحواجز واخترق القلوب ،ص ارخ أنثوي ُمستنجد ،صوت فتاة تطلب
النجدة ،تستغيث«:ابتعدوا عني ،النجدة ،لا تقتربوا ،لا يلمسني أحد».
والص ارخ يعلو فجأة ثم يهدأ ،يزداد تارة ثم ينقطع.
اندفعت تالا نحو الحاجة سلوى خائفة مفزوعة ،وجهها شاحب أصفر ،سألتها:
-ما هذا الذي نسمعه يا خالة سلوى؟
-لا أعلم يا بُنيتي ،يبدو صوت فتاة تستغيث.
-هل يحدث هذا عادة ُهنا؟
-سمعنا ذات مرة صوتا كهذا ،ولكننا لا نعلم حقيقة الأمر ،فلربما يكون الصوت ُمس َّجلا ،ويستخدم
الضباط تلك الحيلة بين الحين والآخر؛ لإثارة الرعب بين الفتيات وتخويفهن؛حتى لا تتج أر
إحداهن،وتتملص من الإجابة عنأسئلة التحقيق أو ترفض أن تقر وتعترف بجريمة لم تفعلها ،وتُسلم ارية
الطاعة ،ولا تعترض على أي ظلم أو إهانة ،والا فالتهديد بانتهاك الشرف من هؤلاء معدومي الشرف.
كانت عينا تالا مفتوحتين عن آخرهما ،وكأنها تسمع بعينيها ،وينبض قلبها خوفا ،فيزداد اتساع عينيها
اتساعا ،قالت:
-وربما ليس كذلك ،ربما يحدث هذا حقا ،ربما يتعدى أف ارد الأمن على الفتيات بالفعل.
أحنت الحاجة سلوى أرسها ،وقالت بأسى:
-ليس مستبعدا أن يحدث ذلك حقا ،فهؤلاء القوم قد نزع الله من قلوبهم الحياء والرحمة.
-بالتأكيد ليس مستبعدا أو غريبا أن يحدث ذلك ،أتذكرين في أحداث ما بعد الثورة ما كان يتم على يد
المجلس العسكري من كشوف عذرية وخلافه؟
102
مسيلة للدموع