Page 107 - مسيلة للدموع
P. 107
فماذا تنتظر عندما يحل الف ارق ،والظلم ،والشوق ،والحنين ،والافتقاد ،وغيرها من أهوال المشاعر غير
ظهور تلك القد ارت التعبيرية الهائلة؟
وهناك بعض المحظوظين ممن استطاعوا التسلل مقتربين من القفص؛ ليحظوا بمصافحة مميزة ،تتشابك
فيها الأصابع متخللة الأسلاك الحديدية ،وكأن كل ثقب تداخل مع تلك الأصابع خاتم حب ووفاء.
بعد مشاو ارت ،ومداولات ،وبعد ت ارفع المحامين عن المعتقلينُ ،سمح للمعتقلين بأن يتكلموا عما يعانونه
داخل السجن؛ إكمالا لمشهد العدالة ال ازئفة.
بدأ آسر الحديث:
-ما حدث معي بعدما اعتُقلت أنني بقيت أكثر من ثلاثة أشهر قيد الاختفاء القسري ،لا أعلم عن أهلي
شيئا ،ولا يعلم أهلي عني شيئا ،أريت أهوالا في تلك الفترة ،مورس بحقي أشد أنواع التعذيب ،من تعليق،
وضرب ،وصعق بالكهرباء ،وحرمان من النوم ،واعتداء جنسي ،وغيرها من أساليب التعذيب .أخبرك أيها
القاضي أننا محرومون من أبسط الحقوق الآدمية.
قاطعه القاضي غاضبا ،وقال:
-فلتُقل سيدي القاضي ،احترم هيئة المحكمة.
تجاهل آسر قول القاضي ،فليس القاضي سيده،وليس سيدا لأحد ،إنما هو ليس إلا عبدا للنظام.
كشف آسر عن ساقيه وذ ارعيه؛ ليري القاضي علامات التعذيب على جسده ،قائلا:
-ربما أكون أنا أقل شخص تعرض للتعذيب في تلك السلخانات التابعة لأمن الدولة وغيرها من السجون
الحربية ،كـ(السجن الحربي) ،و(العازولي) ،التي لا يعلم أحد ما الذي يجري بها إلا الله ،فأنا ما أختفيت إلا
ثلاثة أشهر فقط ،هناك من يظ ّل مختفيا قسريا لعام أو ربما عدة أعوام...
قاطعه القاضي بنبرته الحادة التي تتصنع الهيبة ،ومع ذلك لا تبلغها:
-تكلم عن نفسك فقط ،لا تت ارفع عن أحد ،أعينوك محاميا لهم؟
107
مسيلة للدموع