Page 101 - مسيلة للدموع
P. 101

‫بعضهم بالكاد يتحمل تكاليف المواصلات‪ ،‬لكن لا تسعفه حاله أن يُحضر شيئا أبدا معه في الزيارة‪،‬‬
                                                     ‫وبعضهم قد ُيحضر خب از فقط‪ ،‬ولا يسعه إحضار المزيد‪.‬‬

       ‫الكثير من العائلات بلا عائل‪ ،‬من كان يعيلهم اعتُقل‪ ،‬من أين لهم تحمل كل تلك التكاليف‪ ،‬وهم يعانون‬
                                                     ‫فقط من أجل الحصول على ما يبقيهم في عداد الأحياء؟‬

       ‫أخذ العساكر ما أرسله أهالي المعتقلين من طعام وأغ ارض‪ ،‬يفحصونها‪ ،‬ويفتشونها تفتيشا مقز از‪ ،‬فإن‬
       ‫سمحوا أساسا بدخول حاجيات الزيارة يصل الطعام إلى المعتقلين بعد التفتيش مبعث ار ومختلطا بعضه‬
       ‫ببعض‪ ،‬وتفتح الرسائل والجوابات المرسلة من الأهالي لذويهم‪ ،‬ومن الزوجة لزوجها‪ ،‬يتم الا ّطلاع على‬

                                 ‫خصوصياتهم وانتهاكها‪ ،‬وق ارءتها أمام العساكر والضباط‪ ،‬والسخرية مما فيها‪.‬‬
       ‫ومن المضحكات المبكيات التي تحدث أحيانا تفسير الضباط لتلك الرسائل على أنها مخططات إرهابية‪،‬‬
       ‫ومؤام ارت خفية‪ ،‬وأن كلمات الجوابات التي لا تحتوي أكثر من اطمئنانات‪ ،‬وكلمات تثبيت وصبر‪ ،‬وأخبار‬

            ‫شخصية و ارءها أس ارر‪ ،‬فيف ّسرونالكلمات بمعاٍنمغايرة‪ ،‬ومن ثَم يختلقون الحكايات‪ ،‬ويلّفقون الاتهامات‪.‬‬
                             ‫انطلقت صاف ارت نهاية الزيارة‪ ،‬نادى العسكري بصوته الغليظ أن ينصرف الجميع‪.‬‬
                                                                                      ‫أتدري شعور الزل ازل؟‬

       ‫الجميع يهرول ويتع ّجل‪ ،‬يحاول أن يأخذ أكبر قدر من الأشياء المهمة قبل أن ينهدم المبنى على أرسه‬
       ‫فيموت‪ ،‬هنا الأهالي يهرولون‪ ،‬يحاولون أخذ أكبر قدر من لحظات الوداع‪ ،‬وأكبر قدر من النظ ارت قبل أن‬
       ‫ينهال إج ارم الضباط والعساكر فوق رؤوسهم‪ ،‬كما تنهال الحجارة أثناء الزل ازل‪ ،‬فمن استطاع أن يحظى‬

                                  ‫بقول وداع أو يختلس عناقا ثم هرول خارجا من السجن‪ ،‬فقد نجا من الزل ازل‪.‬‬

‫‪101‬‬

                                                                                             ‫مسيلة للدموع‬
   96   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106