Page 96 - مسيلة للدموع
P. 96
يا شمس الثلاثاء ،هل ّمي هل ّمي ،املأي أركان الغرفة،وتجاوزي حدود ال ُشرفة ،وادخلي إلى النفوس.
دّفئي تلك القلوب التي أعياها البرد والألم.
انعكسي في أعين المظلومين ،واصنعي لمعة الأمل.
أخبريهم أن ِك أشرق ِت َرغما عن أنف الظلم والظلام!
تج ّهزت أم آسر وفاطمة وحورية ،كأنهن ذاهبات إلى رحلة ،اعتاد العامة أن يذهبوا في الصيف إلى
شواطئ جمصة ،ولكن الآن العديد من العائلات تذهب إلى هناك ليس لقضاء عطلة صيفية ،ولا نزهة
ترفيهية ،وانما لزيارة ذويهم في سجن جمصة ،واذا ما قارنت بين الحالين ،وبين الشعورين ،فشتّان شتّان.
حشد كبير أمام السجن ،معظم المتواجدين من النساء ،وقليل جدا من الرجال ،فالرجال إما معتقلون أو
مطاردون ،والمعتقل منهم محتجز هنا بالداخل ،أما ال ُمطارد ،فبرّبك ،أيأتي إلى ُهنا ليسّلم نفسه إليهم،
ويصبح في عداد المعتقلين؟
صارت النساء تحملن ِحملا ثقيلا ،تتحملن مالا يتحمله الرجال ،وكأن الله قد أعطاهن قوة رجولية فوق
قوتهن الأنثوية ،فلا هي قوة رجولية خالصة ،ولا قوة أنثوية منفردة ،بل الاثنتان معا ،حملن أثقالا ِعظاما،
حتى كادت تاء التأنيث تحمل فوق دائرتها آلاف النقاط لا نقطتين!
في وسط تلك الضجة ،وذلك الحشد أخذت أم آسر تشيح ب أرسها ،وكأنها تريد أن يخترق بصرها حواجز
السجن وبواباته العملاقة؛ لترى آسر ،وتُشبع عينيها من رؤيته ،وأَّنى لها أن تشبع؟ وهل ستكفي نصف
ساعة؟ أم هل ستكفي نصف سنة أو نصف قرن؟ ويحك إنك تتحدث عن أُم.
أم آسر تمشي مترقبة ذهابا وايابا.
حورية وفاطمة تصطنعان الهدوء ،تقفان ثابتتين في طابور الزيارة؛ حتى لا يخت ّل الدور.
نادت فاطمة على أمها محاولة طمأنتها:
-أمي ،اجلسي على الرصيف هنا؛ فالمجهود ال ازئد سوف يتعبك.
قطع صوت العسكري حالة الترقب تلك ،عندما نادى بدخول الأُسر التي حاندورها ،شعرت أم آسر حينها
بهطول المطر على صح ارئها الجرداء التي نسيت معنى الحياة ،شعور بعدم الشعور ،وذهول يلغي
التفكير! دخلت مندفعة ،لحقتها فاطمة وحورية ،كانتا تقفان خلفها ،وكان آسر يقف أمامها.
96
مسيلة للدموع