Page 93 - مسيلة للدموع
P. 93

‫ركضت حورية وفاطمة نحو الغرفة‪ ،‬وهما مهللتان فرحا‪ ،‬وعانقتا أم آسر‪ ،‬تلك الفرحة التي تكون مصحوبة‬
      ‫بص ارخ وركض وحركة وحياة‪ ،‬وجنون الفتيات وقت الفرحيضيف إلى الحياة حياة أخرى‪ ،‬ويضاعف‬

                                                                     ‫معدلات الفرح حتى تصل إلى البكاء‪.‬‬

      ‫عجي ٌب ذلك الإنسان‪ ،‬في الحزن يبكي‪ ،‬وفي الفرح يبكي‪ ،‬في الحزن يصرخ‪ ،‬وفي الفرح يصرخ‪ ،‬إن‬
                  ‫الإنسان نمطي جدا ظاهريا‪ ،‬ولكن شعوريا تجد اختلافا شاسعا‪ ،‬فرق ما بين الأرض والسماء‪.‬‬

                                               ‫ردت أم آسر بعد فترة من الذهول‪ ،‬ودموعها تتلألأ في عينيها‪:‬‬
                                          ‫‪ -‬أحقا ما تقولين يا فاطمة؟ لا لن أسأل ِك‪ ،‬أن ِت دائما ما تخدعينني‪.‬‬

                                                                             ‫توجهت نحو حورية‪ ،‬وسألتها‪:‬‬
                                                                              ‫‪ -‬ألست في حلم يا حورية؟‬

              ‫ضحكت حورية‪ ،‬ومسحت دمعتين سعيدتين تسّللا عبر خديها ُخلسة وسط عنفوان الفرحة‪ ،‬وقالت‪:‬‬
                                             ‫‪ -‬أشعر كذلك أننا في حلم يا خالتي‪ ،‬تعالي واقرصينا يا فاطمة‪.‬‬

                  ‫اندفعت فاطمة بمرح‪ ،‬وأمسكت وجه حورية بيٍد ووجه أمها بيٍد أخرى‪ ،‬وهّزتهما بعنف‪ ،‬وقالت‪:‬‬
                                                                                  ‫‪ -‬أ أريتما؟ إننا لا نحلم‪.‬‬

                                                                                    ‫قالت حورية بحماس‪:‬‬
      ‫‪ -‬حسنا‪ ،‬بما أننا لا نحلم فذلك الخبر يستوجب كعكة فاخرة من صناعة يد ّي‪ ،‬تعالي معي يا فاطمة‪،‬‬

                                     ‫ولنترك خالتي تنام حتى تستريح‪ ،‬وعندما ي ارها آسر يقول‪ «:‬ازرني القمر»‪.‬‬

      ‫ضحكت أم آسر ضحكة صافية تخفي ما بها من تعب اختفاء كلًّيا‪ ،‬وكأن مرضها كان غياب آسر‪ ،‬وقلبها‬
                          ‫المتعب كان غياب آسر‪ ،‬وشريانها المنغلق كان غياب آسر‪ ،‬وعلاجها كان حضوره‪.‬‬

                                  ‫عاد البريق في عيني أم آسر كنجوٍم تاهت عن مجّرتها‪ ،‬ولكنها عادت للتو!‬
      ‫تلألأي أيتها النجوم فرحا وحبا‪ ،‬واسبحي في فضائك بحرية‪ ،‬تلألأي كما لو أن ِك لم تعرفي معنى البري َق إلا‬

                                       ‫الآن‪ِ ،‬عِدي تلك العينين بأنها سترى آسر دائما‪ ،‬ولن تضل عنه مجددا‪.‬‬

‫‪93‬‬

                                                                                            ‫مسيلة للدموع‬
   88   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98