Page 89 - مسيلة للدموع
P. 89
مالهؤلاء القوم لا يعبأون بحياة البشر وآلامهم؟!
مالهم لا يعبأون بمن يحيا ،ومن يموت ،ومن يبكي ألما ،ويبيت متوجعا؟!
أأوجاع الناس هي من ترّقيهم ،وتمنحهم ُرتبا ،ونجوما توضع على أكتافهم الوضيعة؛ ليزدادوا غطرسة،
وتجب ار على الخلق؟
تناولوا طعام الغداء ،وتناول معهم محمد ،لكنه وما إن بدأ في تناول الطعام حتى تقّيأه من جديد ،وازداد
شعوره بالإعياء والغثيان ،ازدادت حالته سوءا ،ولا أحد يهتم.
قرر المعتقلون أن يهتفوا داخل زن ازنتهم الضيقة التي أصبحت في أعينهم لوهلة ميدانا واسعا ،فتربية
الميدان حاضرة في قلوبهم ،ولم تفارق أعينهم ،فقد عّلمهم الميدان أن يصدحوا بالحق مطالبين بمالهم من
حقوق ،حتى وان كانوا معتقلين ،وان كان السيف موضوعا على أعناقهم.
ظل المعتقلون يهتفون ،وتتعالى أصواتهم مطالبين بحضور مأمور السجن؛ لسماع مطلبهم وتنفيذه ،ازداد
الصوت علًّوا ،ومع التصفيق ازدادت الأجواء ح اررة.
لم يُفت أكثر من ربع ساعة حتى اقتحم أف ارد الأمن من ضباط وأمناء الزن ازنة ،وانهالوا ضربا على
المعتقلين بالِع ِص ّى وال ِه اروات ،في مشهد بات يتكرر كثي ار.
لم يرحموا من كان مصابا منهم كآسر ،أو من كان مريضا منهم كـمحمد ،اندفعوا كالمجانين ،ولم ينسوا
تاريخهم المليء بالكره لتلك الهتافات ،فلا يستقيم هتاف مع كلمة عسكر في آ ٍن واحد ،لابد أن يحدث
صداما ،وتشتعل ح ارئق؛ فالهتاف رمز للحرية ،والعساكر رمز لقمع تلك الحرية.
سكب العساكر الماء على أرضية الزن ازنة ،حتى غمروها تماما بالماء كنوٍع من العقاب؛ كي يذوق
المعتقلون ال ُمر أكثر وأكثر ،وكي يشعروا بالبرد أكثر ،وبالتعب أكثر ،وبالعذاب أكثر ،فلا يستطيعون النوم
الذي هم بالفعل يحصلون على القليل منه !
خَّلف اعتداء العساكر على معتقلي الزن ازنة إصابات عديدة ،تدرجت من كدمات سطحية إلى جروح غائرة
وكسور ،مما اضطر إدارة السجن لنقل الحالات الطارئة منهم إلى المستشفى.
89
مسيلة للدموع