Page 85 - مسيلة للدموع
P. 85
سألت تالا باستغ ارب:
-وما الذي حدث إذن؟ هل نالت كل المعتقلات السياسيات أحكاما بالب ارءة ولم يب َق إلا أن ِت هنا؟
-لا ،لا ،ليس كذلك ،ما حدث أنه في فترة من الفت ارت كانت إدارة السجن قد ازدت قبضتها للتضييق
على المعتقلات السياسيات ،وكانت تمنعهن من ش ارء الطعام من (كانتين) السجن ،ولم يكن للمعتقلات
خيار إلا تناول طعام السجن الرديء أو تركه والموت جوعا ،إن القانون يعطي الحق لكل المعتقلات في
الش ارء من (كانتين) السجن ،فذهبت بعض المعتقلات لش ارء بعض الطعام منه ،ولكن الس ّجانة لم توافق
على بيع الطعام لهن ،كلم ٌة من هنا ،وكلم ٌة من هنا ،اشتعل الشجار بين المعتقلات والس ّجانات ،و ُص ّعد
الأمر لإدارة السجن ،ولم تم ِض ساعة حتى اقتُحمت الزن ازنة بعناصر من القوات الخاصة بلباسهم الأسود،
ووجوههم ال ُمغطاة ،من دون سابق إنذار ،كانت المعتقلات من دون حجاب ،لم تع ِط القوات فرصة
للمعتقلات لارتداء حجابهن ،دخلوا حاملين ِع ِص ّي غليظة يستخدمها الأمن عادة في قمع التظاه ارت،
وانهالوا على المعتقلات ضربا وسحلا ،عّم الص ارخ أرجاء الزن ازنة ،ازد الهلع بين الفتيات ،مشهد القوات
الخاصة يكون مخيفا عندما تكون حاضرة لقمع التظاه ارت ،حيث هناك مساحة للكر والفر والهرب أو
الدفاع عن النفس ،ولو حتى بالحجارة،فكيف الحال في زن ازنة ضيقة محكمة الانغلاق ،وأوغاد يعتدون على
فتيات َع لزاوات؟ فلا الهرب ممكن ،ولا الص ارخ ُيسمع ،وليس هناك من يتصدى أو يدافع.
أُصيبت الكثير من الفتيات بجروح وكسور متفرقة ،تم نقل الحالات الحرجة منهن إلى المستشفىُ ،سلبت
كل متعلقاتنا من ملابس وأدوات ودفاتر وأقلام ،تُركت الزن ازنة خاوية على عروشها ،وزيادة في العقاب،
ورغبة أكثر في الانتقام ،قررت إدارة السجن تفريق المعتقلات السياسيات ،وتوزيعهن على زنازين
الجنائيات ،ولم تعد هناك زن ازنة موحدة للسجينات السياسيات مثلما كان في السابق.
ردت تالا بفزع:
-يا إله ّي ،أحدث كل هذا حقا؟ لم نسمع بأي شيء من هذا على الفضائيات.
-ما يحد ُث هنا يا ابنتي خارج حدود العالم ،وما يصل إلى الإعلام هو فتات الواقع ،تعتيٌم ،فتضلي ٌل،
فإخفا ٌء للحقائق ،وضياعٌ للعدل.
ردت تالا متعجبة من حديث الحاجة سلوى المثّقف رغم أنها ريفية غير متعلمة ،وقالت بإعجاب:
-أين تعلم ِت كل هذا الكلام يا حاجة سلوى؟ إن ِك تحملين من الثقافة أكثر مما تحمل نخبة الإعلام.
85
مسيلة للدموع