Page 83 - مسيلة للدموع
P. 83

‫ُهنا حيث التناقض ال ارئع‪ ،‬حيث ينسجم كل شيء مع نقيضه‪ ،‬ويختلط الزيت بالماء مخالفا قوانين الطبيعة‬
                                                             ‫كلها‪ ،‬فهنا الق ارر فقط للزيت والماء لا للطبيعة‪.‬‬

      ‫هنا يتآلف الشيب مع الشباب‪ ،‬والتمّدن مع الريفية‪ ،‬وتناقض الأفكار والوسائل السياسية‪ ،‬وطريقة العيش‪،‬‬
                         ‫والعلاقات الاجتماعية‪ ،‬لتنبت الأمومة والأخوة والصداقة من تربة تلك الزن ازنة الضيقة‪.‬‬

      ‫الحاجة سلوى كانت كأم لتالا‪ ،‬وكانت تالا كصديقة للحاجة سلوى‪ ،‬وكلتاهما كانت أختا للأخرى‪ ،‬كانتا‬
      ‫تتسام ارن وتتآنسان‪ ،‬إذا بكت إحداهما تجد أحضان الأخرى مفتوحة لاستقبالها‪ ،‬وتتهيأ الكفوف لإ ازلة‬
      ‫الدموع والأح ازن‪ ،‬واذا ضحكت إحداهما يتكّيف قلب الأخرى لتأجيل همومه ُهنيهة‪ ،‬حتى تنتهي رفيقتها من‬

                                                             ‫ضحكاتها التي لا تريد أن ُيعّكر صفوها شيء‪.‬‬

      ‫نشأت الِعشرة من أيام قلائل‪ُ ،‬حكيت أس ارر‪ ،‬وأُخذت عهود‪ ،‬وتكّونت علاقة تحكمها قوانين الحب والعدل‬
      ‫والشجاعة‪ ،‬استعّدت كل واحدة منهما أن تعّرض نفسها للخطر عندما تتعرض الأخرى لظلم الجنائيات‬

                                                                                             ‫والس ّجانات‪.‬‬

      ‫تجاوز الُقرب أن يكون محسوسا فقط‪ ،‬بل أصبح ملموسا أيضا‪ ،‬فإن السرير الذي يملك زمام الليل لكلتيهما‬
      ‫سرير واحد‪ ،‬وبما أن الزن ازنة لم يكن بها سرير إضافي لتالا آثرت الحاجة سلوى تالا على نفسها‪ ،‬وقررت‬
      ‫أن تنام على الأرض وتدع السرير لتالا‪ ،‬ولكن في بادئ الأمر‪ ،‬ورغم أن تالا كانت خائفة من جميع‬
      ‫تفاصيل الزن ازنة بجميع من فيها‪ ،‬إلا أنها شعرت بال ارحة في جوار الحاجة سلوى‪ ،‬وطلبت منها أن تنام‬
      ‫بجوارها على السرير؛ فإن نوم الأرض يمكن أن يؤذيها؛ فالأرض باردة خشنة‪،‬وعندما كانت تالا منغمسة‬
      ‫في البكاء شاردة التفكير في ذلك اليوم الكئيب‪ ،‬لم تجد سوى أحضان الحاجة سلوى ملجأ لها‪ ،‬وقد كان‬

                                                                                ‫خير ملجأ‪ ،‬وأفضل مأوى‪.‬‬

                                                    ‫ح َّل الليل‪ ،‬واستلقت كل منهما على السرير؛ لتهّم بالنوم‪.‬‬
                              ‫اعتدلت تالا جالسة‪ ،‬فاعتدلت الحاجة سلوى لتجلس هي أيضا‪ .‬قالت تالا باسمة‪:‬‬

                                                                            ‫‪ -‬لماذا استيقظ ِت؟ ألن تنامي؟‬

                                                             ‫ردت الحاجة سلوى بشعورها الأمومي الحنون‪:‬‬
                                                              ‫‪ -‬ماذا ب ِك يا تالا؟ هل أن ِت بخير يا حبيبتي؟‬

‫‪83‬‬

                                                                                            ‫مسيلة للدموع‬
   78   79   80   81   82   83   84   85   86   87   88