Page 79 - مسيلة للدموع
P. 79
«أنا آسر ،أنا الذي أكتب هذه الكلمات بضلعي المكسور ،فلتسامحني منظمات حقوق الإنسان على خطي
الرديء ،فحتى إن لم يكن رديئا فإن العالم كل يوم يعلم ظلم الأبرياء ،ثم في آ ِخر الليل ينام بسلام ،وكأن
ظلما لم يكن ،وكأن قلوبا لم تِئن.
أنا آسر الذي ظنن ِت أن ِك لن تَريه مجددا يا أمي ،أنا الذي ظل مختفيا ثلاثة أشهر لا أحد يعلم مكانه ،ولا
يعلم مكان أحد ،أنا الذي ظل أكثر من تسعين يوما محتج از خارج نطاق الحياة.
في كل يوم كان لدي دوام كامل ،وعملي فيه أن أُعَّذب أو أعترف ،وأنا فضلت التعذيب على أن أعترف
بما لم أفعله ،أو أذكر أسماء أشخاص أبرياء لم يقترفوا ذنبا سوى أنهم أ اردوا أن يعيشوا أح ار ار ،وتلك هي
الخطيئة الكبرىلدى عقول الظالمين المريضة.
لن أحدثكم عن الجروح الغائرة في أنحاء جسدي كله التي ما ازل أثرها واضحا ،كأنها ُجِرَحت بالأمس،
ولن أحدثكم عن جسدي الذي أصبح كغربال ممتلئ بالثقوب من أثر أسلاك صاعق الكهرباء ،وعن
العلامات التي خلف أذني وصدري وقدم ّي ،وعن الخطوط الأفقية وال أرسية من عبث السياط على ظهري
بعد تعليقي بطريقة متقنة ،تختلف في كل مرة عن التي قبلها..
وان التعليق حرفة لو تعلمون ،له أنواع وأساليب..
تعليق يشّوه فق ارت الظهر ،وآخر يصيب بعجٍز عن الحركة ،تعليق يفقدك الشعور بأط ارفك بعدما يتسبب
في حبس الدماء فيها ،وآخر يمزق الأربطة ،وهناك ما يصيب بشلل مؤقت أو ربما دائم ،يمتد التعليق
لساعات طوال دون طعام أو ش ارب أو نوم.
لن أحدثكم عما حدث معي ،و أريته يحدث لرفاقي من المعتقلين ،من التعليق من القدم وال أرس في الوقت
نفسه ،والربط بحبل من قدم واحدة ،والتعليق منها؛ ليصبح المعتقل محّلقا من أسفل إلى أعلى ،وعن كلبشة
اليدين ،وتعليقنا منهما بالسقف ،والربط في باب حديدي ،وكلبشة اليدين ،كل يد على حدة ،وكلبشة القدمين
كذلك من المنتصف؛ لأصبح معّلقا على شكل قوس.
آلام على آلام.
لن أحدثكم عن استخدام طريقة (الشواية) ،وهي التعليق كالذبيحة ،وعن الحرمان من النوم عن طريق ربط
يد واحدة لمعتقل ،وتعليقه بماسورة ،وتعليق معتقل آخر بماسورة مقابلة بالطريقة نفسها ،وربط اليد الأخرى
لكليهما معا؛ لنبقى معلقين بالهواء في وضع الوقوف ،فلا نستطيع النوم.
79
مسيلة للدموع