Page 76 - مسيلة للدموع
P. 76
تحّول حديث آسر للجدية ،وخالط حديثه الحزن:
-ثلاثة شهور لم أَرهم ،ولا أعلم شيئا عن أخبارهم ،بالتأكيد هم لا يعرفون عني شيئا أيضا ،والا جاءوا
إل ّي ،أنا أعلم أن أمي لا تنام الليل ،وأعلم أن لياليها كلها كانت جحيم ،وأعلم أنها لا تكف عن البكاء ،ولا
تتذوق الطعام ،أمي شاردة الفكر ،سارحة الخيال ،تعبث بها الأوهام والظنون ،وتفتّت عقلها أشلاء ضائعة،
إن أمي تتألم حقا يا كرم ،وهل بيدي أن أفعل شيئا سوى أن أتألم أنا أيضا في صمت؟
رب َت كرم على كتف آسر مطمئنا:
-إنك قضيت قرب ثلاثة أشهر متنّقلا بين مباني أمن الدولة ،وعنابر التأديب ،وسلخانات التعذيب ،فقط
لأنك كنت تحمل ِفك ار و ُحلما ،وكانت تلك الأماكن كلها يصعب التعرف على مكان أي معتقل فيها أو عن
حقيقة وجوده هناك ،لكنك الآن هنا منذ أسبوعين في زن ازنة عادية ،بها معتقلون يخرجون للمحاكمات،
وينقلون الأخبار ،ويو ّصلون الحقائق.
خبط كرم كتف آسر ،وقال مستدركا:
-آ ٍخ يا آسر ،كيف تاهت عّنا تلك الفكرة ،أليست محاكمتي اليوم؟ فلنبعث برسالة ،ونكتب فيها اسمك،
وكل ما تعرضت له من تعذيب ،ومكان احتجازك الحالي ،ثم أُعطي تلك الورقة للمحامي الذي يت ارفع
عني ،سيأخذها وينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ،ويرسلها لجميع المنظمات الحقوقية ،بالتأكيد
سيصل الكلام إلى أسرتك عندما ينتشر ،ومع الضغط الإعلامي والحقوقي سيعرف أهلك مكان احتجازك،
ويقّر السجن بوجودك ،وانتهى الأمر.
اندفع آسر لعناق كرم ،وقال متعجبا:
-يالك من داهية يا كرم! سلمت أرسك.
أردف كرم بحماس:
-إذن فلنبدأ بكتابة الورقة فو ار.
76
مسيلة للدموع