Page 75 - مسيلة للدموع
P. 75

‫كان بالزن ازنة معتقلون بأفكار وأيديولوجيات مختلفة‪ ،‬أحيانا ما تحتد بينهم النقاشات فيختلفون‪ ،‬ويتغاضبون‪،‬‬
      ‫ربما ينعزل البعض عن البقية‪ ،‬أو ي ارضي بعضهم البعض مذّكرين أنفسهم بأساس القضية‪ ،‬أننا في النهاية‬

                    ‫على مركب واحد‪ ،‬جميعنا يبحر للبحث عن العدل والحرية‪ ،‬مهما اختلفت وجهتنا وطريقتنا‪.‬‬

      ‫شاء القدر أن يجمع بين آسر وكرم في زن ازنة واحدة‪ ،‬رغم اختلاف الأفكار والآ ارء‪،‬ورغم اختلاف ظروف‬
      ‫اعتقالهما‪ ،‬وأماكنها‪ ،‬وملابساتها‪ ،‬وسياقها‪ ،‬فكم في السجون من قلوب تآلفت رغم اختلافها! وكم من كفو ٍف‬
      ‫أسندت غيرها رغم حملها اريا ٍت مختلفة!وكم من عيوٍن بكت‪ ،‬أبكت عيونا أُخر رغم اختلاف وجهات‬

                  ‫النظر!وكم من أرواح دافعت عن أرواح فتعرضت للخطررغم أن كل روح تحيا بنهج مختلف!‬
                     ‫ولكن الناس في الأخوة ثلاثة أنواع‪ :‬إخوة في الدين‪ ،‬واخوة في الإنسانية‪ ،‬واخوة في ال ُح َرّية‪.‬‬

                                                                                ‫أكمل كرم حديثه مع آسر‪:‬‬
      ‫‪ -‬حسنا‪ ،‬إن حصلت على حكم ب ارءة اليوم ستكون أنت أول شخص أبعث له بهدية‪ ،‬ماذا تريد أن أحضر‬

                                                                                          ‫ل َك في الزيارة؟‬

                                                                              ‫ضحك آسر ضحكة ساخرة‪:‬‬
      ‫‪ -‬ماذا تقول يا رجل‪ ،‬بربك كم مرة ُسمحت للزيا ارت أن تدخل؟ وان أدخلوا لنا طعام الزيارة جردوه من‬
      ‫الصواني والأطباق‪ ،‬ووضعوه في أكياس بلاستيكية‪ ،‬وفتشوا فيه بأيديهم‪ ،‬حتى يصل إلينا بشكل يشبه بقايا‬

                                                                                           ‫طعام الدجاج‪.‬‬

                                                                                ‫‪ -‬أو كبقايا طعام البهائم‪.‬‬

                                                                                                ‫‪ -‬مثلا‪.‬‬

      ‫‪ -‬ولكن إن أردت قول الصدق‪ ،‬فإني أشتاق لطعام أمي‪ ،‬وحضن أمي‪ ،‬ودفء أمي‪،‬أتعلم يا كرم‪ ،‬إن أمي‬
                                                              ‫تطبخ المحشي كما لم يطبخه أحد في العالم‪.‬‬

             ‫‪ -‬حقا ما تقوله؟! إذن فلنحارب يا فتى؛ حتى يعرف أهلك مكان احتجازك‪ ،‬وتأتي والدتك بالمحشي‪.‬‬

‫‪75‬‬

                                                                                            ‫مسيلة للدموع‬
   70   71   72   73   74   75   76   77   78   79   80