Page 70 - مسيلة للدموع
P. 70

‫بعد حوالي يومين‪ ،‬تم ترحيل تالا إلى سجن القناطر‪ ،‬ذلك السجن الذي يحتوي على أكثر المعتقلات‬
      ‫السياسيات‪ .‬كانت تالا مطمئنة بعض الشيء بأنه سيتم ترحيلها إلى السجن‪ ،‬فالسجن به الكثير من‬
      ‫المعتقلات السياسيات‪ ،‬بعكس القسم‪ ،‬جميع من كن فيه كن جنائيات‪ ،‬ليس منهن حالتها نفسها‪ ،‬ووضعها‬

                                 ‫الذي دخلت من أجله السجن‪ ،‬ربما لن تفهمها إحداهن أو تشعر بها وتؤنسها‪.‬‬

      ‫خطت تالا أبواب السجن مع الح ارس‪ ،‬وكلما تحركت خطوة للأمام باتجاه السجنتملكها شعور الرهبة أكثر‪،‬‬
      ‫دخلت تالا‪ ،‬وبعد الإج ارءات المعتادة لأي سجين ُس ّجل اسمها رسميا كسجينة في السجن‪ ،‬وتم تسليمها‬
      ‫ملابس السجن الرديئة التي اضطرت أن ترتديها حتى يأتي أهلها إلى الزيارة‪ ،‬وتطلب منهم أن يحضروا‬

                                                                           ‫لها ملابس للسجن أفضل قليلا‪.‬‬

      ‫تم تفتيش تالا مرة أخرى بشكل أقل ما ُيقال عنه إنه مهين‪ ،‬ورغم أنها قادمة من القسم مباشرة إلى السجن‬
                                                                         ‫إلا أن هذا لا يعفيها من التفتيش‪.‬‬

      ‫ُفتح باب الزن ازنة الحديدي الذي تكره تالا صوته‪ ،‬دفعتها إحدى الس ّجانات لداخل الزن ازنة‪ ،‬وأغلقت‬
                                                            ‫الباب‪،‬ليصدر نفس الصوت البغيض من جديد‪.‬‬

      ‫كانت تالا تدير عينيها يمينا ويسا ار؛ أملا في أن تلمح وجها يحمل دلالات بأن صاحبته سياسية وليست‬
                                                                                                 ‫جنائية‪.‬‬

      ‫لم تجد تالا ضالتها في أي من السجينات التي ت ار ُهن‪ ،‬كانت تخطو نصف خطوات ببطء‪ ،‬لا تعرف ماذا‬
                                                                ‫عليها أن تفعل‪ ،‬وكانت تحدث نفسها قائلة‪:‬‬

                               ‫‪ -‬لا تقلقي يا تالا‪ ،‬ربما هناك سجينة سياسية في أحد أِسّرة السجن تلك‪ ..‬ربما‪.‬‬

                                                                     ‫صاحت إحدى السجينات موبخة تالا‪:‬‬
                                                                   ‫‪ -‬مرحبا أيتها النحيفة‪ ،‬ألا ُتلقي التحّية؟‬

                                                                        ‫ابتسمت تالا ابتسامة قلقة‪ ،‬وقالت‪:‬‬
                                                ‫‪ -‬أهلا‪ ،‬آسفة‪ ،‬لم أنم منذ يومين‪ ،‬لذا فأنا فاقدة التركيز قليلا‪.‬‬
      ‫ضحكت السجينة ضحكات يصحبها صوت (نغبشات) رئتيها المتهالكتين من تدخين السجائر‪ ،‬وتدخين أي‬

                                                                              ‫شيء يمكن تدخينه‪ ،‬وقالت‪:‬‬
                 ‫‪ -‬لا يوجد سرير فارغ تنامين عليه‪ ،‬يمكن ِك النوم جالسة مستندة إلى الحائط‪ ،‬أو النوم بالح ّمام‪.‬‬

‫‪70‬‬

                                                                                            ‫مسيلة للدموع‬
   65   66   67   68   69   70   71   72   73   74   75