Page 69 - مسيلة للدموع
P. 69

‫الشريط ال ُمس َّجل‪:‬‬
      ‫‪ -‬قد أكون عند الله شهيدا‪ ،‬وفي تلك الحال ليس عندي ما أقوله لأطمئنك؛ فأنا بين يدي الرحمن‪ ،‬فقط‬
      ‫استودعيني عند الله الذي لا تضيع عنده الودائع‪ ،‬وقد أكون وحيدا لأول مرة بين مخلوقات أخذت من‬

                                                                   ‫البشر هيئتهم‪ ،‬ومن الشياطين صنعتهم‪.‬‬

      ‫نعم‪ ،‬قد أتألم‪ ،‬قد أكون مفتقدا للسكينة والسلام‪ ،‬قد أكون بين أربعة حيطان تُشعرني بال ُغربة في وطني‪ ،‬أو‬
      ‫ربما تُشعرني بالموت رغم حياتي‪ ،‬قد تحوم روحي في زن ازنة ضيقة‪ ،‬ولا تجد لها مخرجا يحررها من ُعلبة‬

                                                ‫الكبريت تلك‪ ،‬أليس هذا هو الموت عينه؟ أن أحيا بلا ُح َرّية!‬

      ‫قد أُصادق الظلام‪ ،‬وأُسامر القيود‪ ،‬وأُثرثر مع تلك الجد ارن المسكينة التي تسمع دائما ولا تبوح‪ ،‬ولو تكلمت‬
      ‫ل َحَكت حكايات المظلومين الذين مروا عليها إلى أن ينتهي الدهر‪ ،‬وعندما ينتهي ُعمر الدنيا لن تكون قد‬

        ‫أكملت حكاياتها عن المظلومي َن في تلك السجون بعد‪ ،‬لكَّنها ستُدلي بشهادتها أمام محكمة العدل الإلهية‪.‬‬

                ‫ضغطت حورية على زر المس ّجل لتغلقه بسرعة‪ ،‬تجددت دموعها في عينيها مرة أخرى‪ ،‬وقالت‪:‬‬
             ‫‪ -‬كفى يا آسر‪ ،‬كفى‪ ،‬إنني لا أتحمل سماع هذا‪ ،‬فكيف الحال إن كنت تعايشه فعلا واقعا وحقيقة‪.‬‬

         ‫مسحت ما تعَّلق بوجهها من دموعها المتساقطة‪ ،‬أخذت نفسا عميقا‪ ،‬وه َّمت مرة أخرى بتشغيل المس ّجل‪:‬‬
                                             ‫‪ -‬تبكين مجددا‪ ،‬تبكين الآن‪ ،‬تبكين في كل وقت‪ ،‬هّوني علي ِك‪.‬‬

                                                                                  ‫ابتسمت حورية‪ ،‬وقالت‪:‬‬
                                                           ‫‪ -‬يبدو أن هذا الشريط يذيع بثا حَّيا من السجن‪.‬‬

                                                                                        ‫أكملت استماعها‪:‬‬
      ‫‪ -‬إننا نبكي لكي نستريح‪ ،‬لُنسّكن آلاما وأوجاعا أتعبتنا‪ ،‬واستهلكت أرواحنا‪ ،‬لك ّن بكاءنا في النهاية ُمسّكن‪،‬‬
      ‫ليس شفاء أو حتى علاج‪ ،‬فلتواجهي وتصمدي‪ ،‬حتى إذا ما أرد ِت ارحة‪ ،‬خذي قسطا من البكاء‪ ،‬فقسطا‬
      ‫من الصبر‪ ،‬وقسطا من الصلاة‪ ،‬وانها لكبيرة إلا على الخاشعين‪ ،‬فلتحملي حوريتك الصغيرة‪ ،‬ولتبقي أقوى‪،‬‬
      ‫إن القَّوة تكمن خلف طفولة عيني ِك البريئتين‪ ،‬فابحثي خلفهما عن الحق لا عن الدموع‪ ،‬فإن ِك إذا ما عرف ِت‬
      ‫الحق صرِت أقوى من التضحيات‪ ،‬وا ّن ِصدق الإيمان لا يأتي إلا عند الثبات أمام اختبا ارت الحق‪ ،‬كذلك‬
      ‫ِصدق الحب‪ ،‬لذلك‪ ،‬لكي نكون مؤمنين متحابين‪ ،‬علينا أن نجتاز الاختبار‪ ،‬وأن ننجح‪ ،‬وحينهاسأخبر الله‬

                                                                            ‫بأني مؤمن‪ ،‬وسأُخبُرِك بأني‪...‬‬

‫‪69‬‬

                                                                                            ‫مسيلة للدموع‬
   64   65   66   67   68   69   70   71   72   73   74