Page 74 - مسيلة للدموع
P. 74
بعد مرور ثلاثة أشهر ،وبعد وعد الضابط لكرم بأن يرسله (و ارء الشمس) ،فقد ُحكم على كرم بخمس
سنوات ،بتهمة انتهاك قانون التظاهر ،والتظاهر بدون تصريح ،وتكدير السلم العام ،ولم يصدر الحكم بعد
في القضية التي لّفقها له الضابط شكري عايد ،الخاصة باقتحام قسم كرداسة.
ما ازلت تلك الإج ارءات العبثية قائمة ،من استم ارر المحاكمات نقضا ،وطعنا واستئنافا ،وحكايات طويلة،
لكنها ليست سيئة إلى هذه الدرجة رغم مشقتها ،فمجرد الذهاب للمحكمة ،ورؤية الأهل ،ولو من خلف
أسوار القفص هي نزهة حقيقية.
اليوم موعد محاكمة كرم ،بعد قليل سيأتي الشاويش ،وينادي على اسم كرم بصوته الجهورّي المرعب؛
ليركب عربة الترحيلات ،ويذهب إلى المحكمة.
قال آسر بلهجة مازحة:
-ب ارءةٌ إن شاء الله يا أبا الكرم.
ضحك كرم ،وقال:
-تستميت في تمّني ب ارءتي؛ حتى يخلو ل َك المكان ،وتنام الليل كاملا .أتذكر عندما كن َت ُمتعبا؟ وكلما
أيقظتك لأنام أنا وتقوم أنت ،ما َطلتني حتى أخذت من وقتي خمس دقائق إضافية.
-نعم أذكر ،وأذكر أيضا أنني عّوضتك بدلا منها بعشر دقائق كاملة .أتذكر حينها عندما أيقظتك؟
تظاهرت بأنك غارق في النوم ،ولم تهب واقفا إلا عندما دغدغ ُت قدميك ،وأسقطت على وجهك قط ارت من
الماء.
ضحك كل معتقلي الزن ازنة كما يضحكون دائما على م ازح آسر وكرم.
كانت الزن ازنة ضيقة جدا ،تحمل أعدادا تفوق الأعداد المحددة لها بعش ارت المعتقلين الإضافيين ،إلى درجة
أن مساحة الزن ازنة لا تتسع لنوم جميع المعتقلين في وقت واحد ،بل يجب أن ينام بعضهم فترة ،والبعض
الآخر يظل واقفا على قدميه ،ثم يتبادلون الأدوار ،ينام من كان واقفا ،ومن كان نائما يهّم بالوقوف.
74
مسيلة للدموع