Page 81 - مسيلة للدموع
P. 81

‫ازدادت الجلبة في ذلك البيت الواسع الكبير الذي لم يعد يسكن فيه غير فردين‪ :‬أم آسر وأخته فاطمة؛‬
                                                  ‫فالأب ُمطارد‪ ،‬ولا يستطيع المكوث بالمنزل‪ ،‬والابن معتقل‪.‬‬

      ‫أمٌر طارئ‪ ،‬نحتاج سيارة إسعاف على الفور‪ ،‬لكنها ستتأخر‪ ،‬فاطمة وحدها بالمنزل‪ ،‬كيف تتصرف؟‬
                                                      ‫سيارتهم مركونة أسفل البيت‪ ،‬لكنها لا تستطيع القيادة‪.‬‬

                                                                     ‫أزمة قلبية‪ ،‬الحالة لا تحتمل الانتظار‪.‬‬
      ‫فاطمة تصرخ بشكل ِهستيري‪ ،‬تنزل في لحظة من الطابق الأعلى إلى الأسفل‪ ،‬تُسابق الزمن‪ ،‬لا تدري‬
      ‫كيف قادتها قدماها إلى بيت الجي ارن‪ .‬طرقت الباب‪ ،‬طلبت المساعدة على الفور‪ ،‬أحد الجي ارن أتى معها؛‬

                                                                            ‫لينقلوا أم آسر إلى المستشفى‪.‬‬

      ‫جميع المستشفيات ترفض استقبالها‪ ،‬فأغلب المستشفيات الحكومية غير مج ّهزة لاستقبال تلك الحالات‪،‬‬
                            ‫وربما ليس بها أماكن أو أِسّرة للمرضى‪ ،‬فضلا عن نقص الأجهزة الطبية الحديثة‪.‬‬

      ‫المستشفيات العسكرية هي الأفضل على الإطلاق‪ ،‬دائما ماتكون مج ّهزة بأفضل المعدات والأجهزة الطبية‪،‬‬
         ‫لكن المستشفى العسكري رفضت استقبال الحالة‪ ،‬ماذا نفعل؟ المريضة تموت‪ ،‬انقذوا الحالة‪ ،‬ما السبب؟‬

                       ‫كان الرد بأن المستشفى عسكري‪ ،‬لا تستقبل إلا أبناء المؤسسة العسكرية‪ ،‬وأنتم مدنيون‪.‬‬
      ‫حتى التصنيف في الإنسانية قائم‪ ،‬إذا كنت عسكريافسيتم إنقاذك‪ ،‬أما إذا كنت مدنيا فلتذهب غير مأسوف‬

                              ‫عليك‪ ،‬فإن هذا الوطن مختوم بختم العسكر‪ِ ،‬مل ُك العسكر ولا أحد غير العسكر‪.‬‬

      ‫أسرع الجار بسيارته إلى أقرب مستشفى خاص‪ ،‬ولكن تأخر الوقت كثي ار‪ ،‬أم آسر لم تعد تنطق‪،‬لم تعد‬
                                                                                 ‫تتأّوه أو تشتكي‪ ،‬سكتت‪.‬‬

                                                                        ‫فاطمة تصرخ وترتجف‪ ،‬تنادي الله‪.‬‬
      ‫بمجرد وصولهم إلى المستشفى ُحملت أم آسر على النَّقالة سريعا إلى غرفة العناية المركزة‪ ،‬جلبة في‬

                          ‫الغرفة‪ ،‬محاولات إنعاش للقلب‪ ،‬جهاز ذبذبات القلب يوضح بأن هناك نبضا ضعيفا‪.‬‬

      ‫خرج الطبيب من غرفة العناية المركزة‪ ،‬هرولت فاطمة مسرعة إليه‪ ،‬أخبرها بأنه تم إنقاذها في اللحظات‬
      ‫الأخيرة‪ ،‬فالنبض كان قد أوشك على التوقف‪ ،‬الحالة أُصيبت بجلطة‪ ،‬مما أدى إلى انسداد الشريان‪،‬‬

‫‪81‬‬

                                                                                            ‫مسيلة للدموع‬
   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86