Page 84 - مسيلة للدموع
P. 84
ابتسمت تالا ابتسامة شاردة ،وقالت:
-لا علي ِك،ليس لدي رغبة في النوم ،فقط.
-أتعجب من ِك يا ابنتي ،الساعة الواحدة في الزن ازنة تمر وكأنها يوم ،وكل سجين ينتظر موعد النوم بفارغ
الصبر؛ ليختصر ساعات السجن البطيئة ،ويجعلها تمر سريعا ،وأن ِت تقضين الليل مشغولة بالتفكير.
أفصحي ع ّما بداخلك يا ابنتي ،إني أسمعك ،لعّلك إن أخرج ِت ما بداخل ذلك العقل المتعب لاست ارح قليلا،
وهَّم إلى النوِم مرتاح البال.
اسندت تالا أرسها إلى الحائط ،وأطلقت تنهيدة شاردة:
-تُرى ،هل وجدت مريم من يؤنسها كما وجدتك يا حاجة سلوى؟ ومن يكون معها عندما يكون والدها في
عمله؟ أشعر بالذنب وبتأنيب الضمير ،ماذا عن العهد الذي قطعته على نفسي مع دينا؟ ولكنني لا
أستطيع فعل شيء ،وماذا عساني أن أفعل؟
أخذت الحاجة سلوى تمسح على أرس تالا ،وتداعب خصلات شعرها ،وقالت:
-إن الله لا ينسى أحدا يا ُبنيتي ،وقد تولى أمرِك ،وهو يعلم أن ِك قوية تستطيعين الاعتماد على نفسك،
فكيف لا يعتني بمريم ،وهي طفلة ما ازلت عظامها ه ّشة ،وما ازل قلبها بحجم قبضة يدها الصغيرة؟
ابتسمت تالا ،وقد غشيتها بعض السكينة ،ثم قالت:
-مع ِك حق .وأن ِت يا حاجة سلوى كن ِت وحيدة في هذا المكان ،كيف كن ِت تعيشين بمفردك وسط
الجنائيات هنا؟ عندما أتيت إلى السجن كنت أعلم أن هناك الكثير من المعتقلات السياسيات مثلي ،ولكن
عندما دخلت إلى الزن ازنة ،ولم أجد أي سياسية شعرت بالهلع ،وخاصة عندما لم أجد أي تعاطف من
الجنائيات معي ،فبكيت كثي ار حتى أتي ِت ،ولكن لماذا لم يكن بالزن ازنة أي معتقلات سياسيات؟ ما أعرفه أن
عدد السجينات السياسيات كبير ،وخاصة من فتيات جامعة الأزهر.
ابتسمت الحاجة سلوى ابتسامة أسى تخفي و ارءها أوجاعا وحكايات ،وقالت:
-لم أكن وحدي هنا يا تالا ،في بادئ الأمر كانت المعتقلات السياسيات جميعهن في زن ازنة واحدة ،ولم
تكن الجنائيات معنا ،إلا إذا أ اردت إدارة السجن أن تعاقبنا أو تؤذينا ،فترسل إلينا اثنين من الجنائيات أو
ثلاثة تُثرن المشاكل ،وتصطنعن الخلافات،وتتعاملن كأنهن زعيمات الزن ازنة ،وأوامرهن لابد أن تُسمع،
وبالطبع كانت إدارة السجن هي من تدفعهن لهذا ،وتشجعهن عليه.
84
مسيلة للدموع