Page 88 - مسيلة للدموع
P. 88
كان محمد يرتجف من شدة البرد ،وفي الوقت نفسه يشعر بأن جسده بركان يشتعل نا ار ،فقد كانت ح اررة
جسده مرتفعة جدا ،اسنده اثنان من المعتقلين ،وذهبا به إلى المرحاض ،وما إن وصل حتى انك ّب على
حوض المياه ،وبدأ في التقيؤ حتى أفرغ كل القليل الذي كانت تحتويه معدته.
أخذه رفاقه وأجلسوه ،أحضروا له كس ارت خبز جافة من تلك التي تبقت من طعام الغداء؛لعّلها تكسر حالة
الإعياء التي أصابته ،لكنه رفض أن يأكل أي شيء أو أن يدخل جوفه أي طعام.
أحضروا قد ار من الماء من صنبور المياه الملوثة ،ووضعوا له كمادات ريثما يأتي الصباح ويطلبوا من
إدارة السجن عرض محمد على الطبيب.
ُقضي الليل بين أَّنات ومواساة ،وانتظار للصبح حتى يأتي ،ويعيد معه شمس الفتى التي تُنير بشروق
أحلامه ،بعد بزوغ الفجر من بسماته المفعمة بالأمل.
وما إن حل الصباح حتى طرق المعتقلون باب الزن ازنة؛ ليستدعوا أحد العساكر؛ ليخبروه بطلب عرض
محمد على طبيب السجن.
رد أحد العساكر من خلف قضبان النافذة الصغيرة التي توجد بباب الزن ازنة ،وقال مستغربا:
-ماذا هناك؟
وعندما أخبروه كان رده بأن عليه أن يسأل مأمور السجن؛ فهو من يقرر.
وفي انتظار ق ارر مأمور السجن الذي يبدو وكأنه يرى بأنه هو من يتحكم في حياة الخلق وآلامهم ،وهو
الذي يقرر متى ُيسمح للمرض أن يح ّل أو للشفاء أن يأتي ،ومتى يدخل الدواء ،ومتى تُعرض على
الطبيب ،ولا أحد يعلم متى تدخل الرحمة إلى قلبه؛ لكي يقرر إنقاذ حياة أحد المرضى من المعتقلين؟
فاتت ساعات على طلب المعتقلين من العسكري إبلاغ المأمور ،وها قد حل وقت الظهيرة ولم يرّد أحد ،ولا
حياة لمن تنادي.
وفي موعد الغداء دخل العسكري؛ لتقديم وجبات السجن الهزيلة سيئة الطهو ،انتهز المعتقلون الفرصة
وسألوه مجددا ع َّما إذا كان قد أخبر المأمور أم لا ،رد عليهم بهدوء أعصاب ،وكأن الأمر ليس طارئا،
وقال إنه قد أخبره ،لكنه لم يرّد بعد ،وعليهم أن ينتظروا.
88
مسيلة للدموع