Page 115 - مسيلة للدموع
P. 115

‫وما إن وقعت عيناه على الوجوه الثلاث المنتظرة تجددت الذكريات المرتبطة بتلك الوجوه في نفسه‪ ،‬إذ‬
       ‫كيف للإنسان أن يواجه سوء الواقع إذا ما استغنى عن الذكرى والخيال؟ فأمان الأم الخالص‪ ،‬ومشاكسة‬

                                                  ‫الأخت الدائم‪ ،‬وحب فتاة الأحلام المت ازيد‪ ..‬تب َّسم رغما عنه!‬

                         ‫استقبلته فاطمة ُمهللة‪ ،‬وكأنها تحاول أن تصنع ض ّجة تُنسيه ضجيجه الداخلي‪ ،‬وقالت‪:‬‬
                                                                                    ‫‪ -‬أهلا بعريسنا البطل‪.‬‬

                                                                                           ‫رد آسر ساخ ار‪:‬‬
                   ‫‪ -‬وليست أي بطولة‪ ،‬إنها تأبيدة‪ ،‬لكي تعلمي أن أخا ِك ذو شأ ٍن لا يُستهان به في تلك البلاد‪.‬‬

       ‫نظر آسر إلى حورية‪ ،‬وكأنه يقول لها‪«:‬هَّيا تكلمي‪ ،‬أفصحي ع َّما و ارء تلك الزيارة وهذه النظ ارت‪ ،‬أتُكملين‬
       ‫معي المسير حتى وان أكملت تأبيدتي ُهنا؟ أم ستودعينني وتقولين إنها الزيارة الأخيرة؟ لن ألومك‪،‬‬

                                                                                             ‫فلتُفصحي»‪.‬‬

                                                     ‫قاطعت حورية تفكيره المترّقب‪ ،‬وقالت بابتسامة عريضة‪:‬‬
                                                                                 ‫‪ -‬كيف حال بطلنا اليوم؟‬

       ‫ضحكت أم حورية‪ ،‬فأح ّس آسر بشيء ُم َرتّب وأمر ُمريب‪ ،‬لماذا تلك الضحكات غير المبالية بالحكم‬
       ‫المؤبد؟ ثم إنه ُمحال أن تكون ضحكات أمه مصطنعة لكي تخفف عنهفقط‪ ،‬إن من حصل على حكم‬

                                                  ‫مؤبد هو فلذة كبدها‪ ،‬أيطغى التصُّنع على أح ازن الأمومة؟!‬
                                                                          ‫عقد آسر حاجبيه مستفهما‪ ،‬وقال‪:‬‬
                                                                                            ‫‪ -‬ماذا ُهناك؟‬

       ‫أومأت حورية ب أرسها مشيرة لأم آسر أن تتكلم‪ ،‬أمسكت فاطمة بذ ارع حورية‪ ،‬والبسمة تغزو وجهها غزوا‪،‬‬
       ‫تلك البسمة الاستباقية التي تنتظر بسمة مقابلة من وجه آسر بعد قليل‪ ،‬فتغزل منها خيوط الفرحة الدافئة‬

                                                                                          ‫ُمسّكنة الأح ازن‪.‬‬

‫‪115‬‬

                                                                                             ‫مسيلة للدموع‬
   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120