Page 120 - مسيلة للدموع
P. 120
تد ّخلت فتاة أخرى في الحديث ،وقالت:
-في إحدى الم ارت أُخذت إحدى المعتقلات السياسيات من زن ازنتنا إلى التحقيق بمكتب الضابط ،وعندما
أتت كانت تبكي وترتجف ،كانت ملابسها ممزقة ،وغير مرتبة ،فهمنا فيما بعد أن الضابط قد اعتدى
عليها ،ولكن إلى الآن لم نعرف تفاصيل الواقعة ،فكما تعلمن تلك الحكايات تظل محبوسة ،وأصحابها
يظّلون مجهولين؛ خوفا من قيود المجتمع؛ واتقاء لحديث الناس الذي لا يرحم.
فلتتخيل أنك ُمصّور التقط تلك الشهادات بتسجيل فيديو ،ثم ابتعد بعدسته بعيدا حتى صار شكل المم ارت
التي بها المعتقلات ك ُمن ُخ ٍل به حبات أرز ،ثم تسا َءل:كيف تستطيع الفتيات النوم بين أسوار الغدر،
وانعدام المروءة ،والتهديد المستمر؟
كيف أن كلمة (قوات الأمن) أصبحت دليل رع ٍب وخوف ،وانعدام أمن؟
كيف أن وظيفة الأمن قد تحولت من حفظ الحقوق وصيانتها إلى هتك الأع ارض وانتهاكها؟
أصبحت الفتيات تتمني ْن أمنيات متناقضة تمام التناقض؛ إما أن ُيطلق س ارحهن وتغادرن تلك الزنازين إلى
الأبد ،أو تبقين بداخلها دون أن يفتح أقفالها عسكري خبيث أو ضابط أكثر خبثا.
فلتظّلي أيتها الزنازين مد ّججة بأقفالك الغليظة ،ولا تسمحي لأحد بأن يتسلل عبر بابك ،احفظي فتياتك
اللواتي تنام عيونهن ،وتستيقظ قلوبهن.
لم تمنحيهن أغطية تُدفئ أجسادهن في البرد ،فلتمنحي أرواحهن دفئا من غطاء الأمان المفقود.
اطلقي س ارحهن ،وبعدها انهدمي حجُار حج ار فوق رؤوس المجرمين ،لا تُبقي منهم أحدا.
120
مسيلة للدموع