Page 126 - مسيلة للدموع
P. 126
اليوم يوم مختلف ،زيارة بطعم السعادة ،ولقاء بح اررة الشوق ،وقلوب قد امتلكت حبيبتها ،فلا تُخفي بعُد
النظ ارت ،ولا تكتم بداخلها حديث ،لم يعد للحياء حق في إخفاء الحب واماتة التعبير ،وما ُيظهره الحياء
من توُّرد الوجوه وحمرتها ،وانحناءات العيون ودلالها ،وانسدال الرموش على مسرحها ،ماهو إلا صورة من
جماله ،وحياء من حيائه.
دخلت حورية وفاطمة ووالدة آسر مع أهالي المعتقلين إلى مكان الزيارة ،بسرعة كبيرة تم تعليق الزينة ،وبدأ
المعتقلون في الغناء والتصفيق ،قّدم المعتقلون هدايا لآسر وحورية ،كانوا قد صنعوها يدويا في الزن ازنة
بإمكانيات بسيطة جدا.
ورود بأو ارق المناديل ،ولوحات عليها رسوم وزخارف بألوان خشبية ،وأعمال فنية صغيرة ُكتب عليها
عبا ارت التهنئة بالخط العربي المتقن..
بعض من المعتقلين يكونون ُطلابا في كليات فنيّة ،ويؤُّدون صناعة مشاريعهم العملية داخل الزن ازنة مما
يستلزم وجود بعض الخامات الفنية ،كالألوان ،والأو ارق ،والغ ارء ،وغيرها ،وتتعنّت إدارة السجن في دخول
الأدوات إلا بعد تصاريح مرهقة ،مثلما يتطلب أداء الطالب المعتقل لامتحاناته تصاريح وأو ارق وموافقات
أيضا.
استغل المعتقلون تلك الأدوات الفنية البسيطة الموجودة مع زملائهم ،وصنعوا تحفا فنَّية تحت عيون القيود
والأسوار..
أليس الإبداع قاه ار للسجن؟ أليست تلك التحف جديرة بعد مرور عّدة أعوام أن تُحفظ في متحف تاريخي
نس ّميه (الإبداع المسجون)!
قاعة الزيارة الكئيبة التي لم يكن ُيرى بها غير الوجع ،والأسى ،ومعتقلون تبدو عليهم آثار السجن
والتعذيبُ ،صنعت منها اليوم قاعة أف ارح جميلةُ ،علقتفيها الزينة ،وغّنى فيها الحاضرون ،وُقدمت فيها
الهدايا ،وتعالت فيها الضحكات.
أعطت أم آسر لابنها ُوريقة بحجم دفتٍر صغيرُ ،رسمت فيه رسمة طفولية مرحة لعري ٍس وعروس ،وُكِت َب
بجانبها عبارة« :المجد لأف ارح الزنازين ،كنت أود أن أشاركك الفرحة ،ولكن نعوضها بعدما تخرج ،إن شاء
الله ،زوا ٌج مبارك يا رفيق الزن ازنة .توقيع :صديقك ال ُمحب محمد».
126
مسيلة للدموع