Page 129 - مسيلة للدموع
P. 129
بعد الطعون المقدمة على الحكم الصادر ضد آسر ومحمد ومن معهم استؤنفت المحاكمة من جديد،
تج ّهز المعتقلون للذهاب إلى الجلسة ،واتفقوا على أن يحلقوا رؤوسهم ،ويكتبوا على ملابسهم البيضاء عبارة
دعم لرفيقهم محمد القابع في المستشفى ،وحالته الصحية تسوء يوما بعد يوم ،والسبب هو إهمال السجن
الطبي الذي تسبب في تأخر تشخيص وعلاج محمد ،حتى انتشر السرطان في جسده.كتبوا عبا ارت بتمني
السلامة لمحمد؛ حتى يدعموه ويؤازروه في محنته.
خرجوا من الزن ازنة؛ لركوب عربة الترحيلات ،والذهاب إلى المحكمة ،وكل من ي ارهم من ضباط وعساكر
ينهال عليهم بالتوبيخ والسباب والوعيد؛ بسبب ما كتبوه على ملابسهم ،لم يعبأوا بذلك رغم أنها مجازفة،
ولكن أي خطٍر يمكن أن يحل بعد الحكم المؤبد؟ فلتكن ُمجازفا ،لا بأ َس علي َك بعد اليوم.
ركب المعتقلون عربة الترحيلات ،وذهبوا إلى المحكمة ،قابلوا هناك بعض المعتقلين الذين كانت لديهم
جلسة قبل جلستهم ،اختلطت مشاعرهم ،وتنوعت بين من كان سعيدا بحكم ب ارءة قد حصل عليه ،ومن
كان حزينا بحكم سجن قد وقع عليه ،ومن غدا بين اليأس والأمل بتجديد فترة حبسه احتياطيا ،على ذمة
التحقيق ،إما أن ُيحكم عليه بعُد بالب ارءة أو أن ُيحكم عليه بحكم آخر.
وقعت عينا آسر على واحٍد منهم ،كان كهلا يبكي ،علامات القهر تبدو على ملامح وجهه ،وشعره
الأبيض الذي يخالطه قليل من اللون الرمادي يظهر في لحيته و أرسه ،بدا على ملامحه غبار الاعتقال،
وانطفأت لمعة عينيه ،كأنها لم تَر النور ده ار حتى نسيته.
هذا المشهد أثار الدم في عروق آسر ،فبكاء كهل له ُغ ّصة عند نخوة الشباب ،كانت هناك فرصة ليقترب
آسر منه ،ويسأله لماذا يبكي ،فلربما يهّون عليه ،ويصّبره إذا ما كان قد ُحكم عليه حكٌم ظالٌم بالسجن أو
أن أحد الضباط قد آذاه بكلمة أو فعل.
سأله آسر:
-ماذا ح ّل بك؟
رف َع العجوز عينيه التي لا تدري أتملأها دموع أم قهر؟ ورد بصوت مهدود قائلا:
-لقد حصلت على ب ارءة!
129
مسيلة للدموع