Page 134 - مسيلة للدموع
P. 134
أتعرف ذلك التعب الذي كلما ازد ،ازدت لذته بتذكر الهدف الذي تعبت من أجله؟ والهمة التي لا تخمد؟
كأن تمشي حورية وفاطمة نها ار كاملا وجزءا من ليله؛ بحثا في المحا ّل عن فستان للزفاف.
فستا ٌن أبي ٌض جميل ،له رونق وبريق كما في خيال حورية ،ذلك الخيال الجامح الذي يبدأ العمل كلما أرت
حورية فستانا فتتخيل نفسها ترتديه ،أيليق عليها أم تبحث عن غيره؟
وبعد بحث وتجارب لارتداء عدد كبير جدا من الفساتين؛ لكي تختار واحدا منهم ُيشبع جمال خيالها
ويضاهيه ،اختارت حورية فستانا ناصع البياض ،كبياض الثلج .على امتداد الرقبة وحتى الخصر به
زخارف دقيقة باللون الأبيض في غاية الجمال ،وباقي الفستان خا ٍل من النقوش ،بما في ذلك ال ُك ّمان
الطويلان.
كانت فاطمة قد اقترحت على حورية بأن الفستان سيكون أكثر جمالا إذا ذهبتا لمحل الخياطة ،وطلبتا
إضافة بعض الزهور الملونة على الفستان ،أُعجبت حورية بالاقت ارح ،وه َّمت بتنفيذه ،دفعت حورية أج ار
إضافيا للخَّياطة؛ كي تنجز لها المهمة في اليوم نفسه ،لم تستطع حورية الانتظار وقتا أطول كي ترتدي
الفستان ،اكتمل التزيين ،كان الفستان كقطعة من الربيعَ ،عَلما لل ُحريةُ ،يحاكي الطبيعة ،ويتأقلم مع الطيور
والزهور والجمال ،وطرح ٌة ُتلف بشكل بسيط ،وتنسدل عليها طرحة أخرى ،يعتليها تاج فض ّي لامع ينافس
القمر ،ويعطي بهاء لعروس الربيع.
وحين يمتزج شكل الربيع هذا مع بسمات حورية وضحكاتها ،يحدث الوهم ،ويتحقق السحر ،ووي ٌل للجمال
من ذلك الجمال!
الحلم أوشك أن يكون حقيقة ،حورية فتاةٌ كأي فتاة تحلُم برج ٍل أحبته ،وبي ٍت يبنيانه سويا ،و ُعر ٍس يحضره
الأصدقاء والأحباء والأقارب ،وزف ٍة سعيدة تمشي فيها جنبا إلى جن ٍب مع آسر ،وذ ارعها ملتف حول ذ ارعه،
والزهور والزينة تُرمى وتتطاير ،وترقص من حولهم كما ترقص قلوبهم فرحا.
يتهامسان وسط الضجيج بحدي ٍث لا يسمعه أحد غيرهما ،ويضحكان ضحكات لا يفسرها سواهما ،وأطفال
يحملون ذيل فستان حورية الطويل ،ويحلمون بأن يكبروا ليقيموا ُعرسا كهذا.
حلٌم جميل ..وخيا ٌل أجمل.
134
مسيلة للدموع