Page 154 - مسيلة للدموع
P. 154

‫أُ ِخَذ آسر للتحقيق في القضية الأخرى ال ُملفقة له‪ ،‬والتي وقعت أحداثها‪ -‬حسب الرواية الرسمية للشرطة‪-‬‬
       ‫بينما كان معتقلا في سجن جمصة‪ ،‬أي أن هذا دليل قاطع على ب ارءته منها‪ ،‬ولكن اليوم لم ُيطلب منه‬
       ‫الإفصاح عن تفاصيل الواقعة‪ ،‬ولا عن الأشخاص الذين نّفذوها معه‪ ،‬فهم يعلمون أنه لم يرتكبها‪ ،‬وقد‬

                                                                 ‫حددوا سابقا أسماء من سُتلّفق لهم القضية‪.‬‬

       ‫ما أ اردوه من آسر أن ُيس ّجل اعت ارفاته بأنه ارتكب تلك الجريمة‪ ،‬ويعطونه كلاما يحفظه نصا ثم يقوله في‬
                                          ‫الشريط المصّور الذي سيصورونه له‪ ،‬دون أن ُينقص حرفا أو ُيزيد‪.‬‬

                            ‫وقد قام بفعل ذلك كثير من المعتقلين‪ ،‬تحت واب ٍل من التعذيب فاق حدود الاحتمال‪.‬‬

       ‫دخل آسر ُغرفة التحقيق‪ ،‬والتي كان بها عدد من أف ارد أمن الدولة؛ لكي يستجوبوه‪ ،‬وما إن دخل حتى وجد‬
              ‫وجها شيطانيا يألفه‪ ،‬إنه الضابط الذي عّذبه أثناء فترة اختفائه قسريا في أمن الدولة بـ (لاظوغلي)‪.‬‬
                                                  ‫الإبليس الكبير نفسه‪ ،‬الذي كان يُطلق عليه اسم (الَن ِجس) !‬

                                                               ‫ضحك الضابط ضحكة متعالية‪ ،‬وقال لآسر‪:‬‬
                                                                                       ‫‪ -‬بالطبع تتذكرني‪.‬‬

                                                                          ‫هز آسر أرسه (أي‪ :‬نعم أعرفك)‪.‬‬

                                                           ‫أردف الضابط بالحديث بعبا ارت استف اززية‪ ،‬قائلا‪:‬‬
       ‫‪ -‬كنت أخشى أن يكون ما حدث لك على يد ّي قد أفقدك عقلك‪ ،‬مثلما فعلت بالكثير من قبل‪ ،‬ولكنك‬

                                                                                           ‫ينقصك المزيد‪.‬‬
                                                                                      ‫سكت آسر‪ ،‬ولم يرد‪.‬‬

       ‫مَّد الضابط يده نحو آسر وهو ممسك بورقة أعطاها لآسر‪ ،‬أخذها آسر‪ ،‬وق أر ما بها‪ ،‬فإذا هو الكلام الذي‬
       ‫يريدون أن يقوله آسر؛ ليعترف بأنه ارتكب الجريمة؛ ليستخدموا هذا الاعت ارف إعلاميا بأنهم ُحماة الأمن‬
       ‫للبلاد‪ ،‬وبأن الإرهاب تحت السيطرة‪ ،‬وأن الإرهابيين معروفون‪ ،‬وستتم محاسبتهم وُيعدمون؛ لتتخلص منهم‬

                                                                                          ‫البلاد إلى الأبد‪.‬‬

‫‪154‬‬

                                                                                             ‫مسيلة للدموع‬
   149   150   151   152   153   154   155   156   157   158   159