Page 5 - مسيلة للدموع
P. 5
طبت حيا وشهيدا يا محمود ،لعلك ُس ّميت باسمك؛ لتكون محمودا في الأرض ،ومحمودا في السماء،
فاختار الله لك هذا الطريق ،طريق الشهادة..
نم قرير العين ،أخبر الله عني ،وكن في انتظاري!
كذلك حكى له عن تلك المشاهد التي لم تُبث شاشات التلفاز نقطة من بحرها ،عن الصديق الذي رآه يترك
صديقه مصابا ينزف ،ولم يستطع أن ينجده أو حتى يضمه قبل أن يرحل؛ لأن الشيطان الأسود أخبره بكل
برود« :إن لم ترحل فسأفرغ رصاصات مسدسي فيه حالا ،وسألحقك به».
حكى عن قهر الرجولة عندما أرى رجلا يدفن أرسه في أحضان زوجته الشهيدة «ألّا تتركيني ..أأغضبتك
في شيء حتى ترحلي هكذا؟! عودي إل ّي أو خذيني مع ِك».
حكى له عن الصغير ،الذي شاب دون أن يبلغ الصبا أو الشباب ،الصغير الذي ظل يصرخ ،وأمه
الشهيدة ملقاة أمامه« :أن استيقظي بالله!».
الصغير الذي ربما لم يدرك معنى الموت بعد ،ولم يجربه في عزيٍز من قبل.
حكى عندما ض ّمه حتى ُيهّدئ من روعه ،بينما أحس أنه هو الذي يحتاج لمن يضمه ويهّدئ من روعه،
ولكن من الذي يستطيع أن يض ّمك ويطمئنك في تلك اللحظات غير الرصاص؟
الرصاص هو الوحيد الذي كان يقدم تذكرة سفر مجانية توصلك مباشرة للسماء ،حي ُث الأمان ،ورحمة الله.
يا له من دفتر متين القلب حتى يتح ّمل كل تلك الحكايات التي لو سمعها جبل لخّر متصدعا من كثرة
البكاء.
أغلق آسر الدفتر ،وربت على غلافه قائلا« :هِّون عليك أيها الدفتر ..كن قويا».
5
مسيلة للدموع