Page 7 - m
P. 7

‫افتتاحية ‪5‬‬

   ‫وإنا لمحمد حافظون ممن أراده بسوء من‬                     ‫كتبت بنا ًء على ما أملاه النبي الذي تلقى‬
     ‫أعدائه”‪ .‬وهذا يعني أن وعد الله بحفظ‬                    ‫الوحي وراجعه بنفسه‪ ،‬إلا أن المسلمين‬
                                                       ‫الأوائل ‪-‬والمتأخرين كذلك‪ -‬يفرقون بينهما‪،‬‬
 ‫القرآن من التحريف على الأرض ليس متف ًقا‬                  ‫لقول القاضي عيَّاض «إن من أنكر القرآن‬
                      ‫عليه بين الشارحين‪.‬‬                 ‫(أو) المصحف أو سبَّ ُه َما أو ش َّك في حرف‬
                                                       ‫منه فهو كافر”‪ ،‬وهو كما هو واضح يتعامل‬
    ‫التفسير الشائع للآية السابقة مؤيد من‬
    ‫تفسير شائع أي ًضا للآية رقم (‪ )42‬من‬                           ‫معهما كمثنى‪ ،‬ككيانين مختلفين!‬

      ‫سورة ( ُفصلت) التي تقول‪« :‬لا يأتيه‬                        ‫وعد الله بالحفظ‬
 ‫الباطل من بين يديه ولا من خلفه»‪ ،‬الشائع‬
                                                          ‫الآية رقم (‪ )9‬من سورة (الحجر) تقول‪:‬‬
    ‫في تفسير هذه الآية من القرطبي أي ًضا‪:‬‬                  ‫«إِ َّنا َن ْح ُن َن َّز ْل َنا ال ِّذ ْك َر َوإِ َّنا َل ُه َل َحا ِف ُظو َن”‪،‬‬
  ‫«قال السدي وقتادة‪ :‬لا يأتيه الباطل يعني‬                 ‫والتفسير الشائع للآية أن الله تعالى أنزل‬
                                                         ‫القرآن الكريم على نبيه محمد (ص) وتعهد‬
     ‫الشيطان من بين يديه ولا من خلفه لا‬                ‫بحفظه‪ ،‬ففي اللغة ‪-‬حسب قاموس المعاني‪:-‬‬
‫يستطيع أن يغير ولا يزيد ولا ينقص”‪ ،‬لكن‪:‬‬                  ‫ال ِّذكر الحكيم أي القرآن الكريم‪ .‬و(الحفظ)‬
 ‫كيف يأتي الشيطان للقرآن من بين يديه أو‬                 ‫بمعنى عدم ضياعه وعدم تحريفه م ًعا‪ ،‬لكن‬
                                                         ‫هذا التفسير الشائع ليس وحي ًدا‪ ،‬فثمة آراء‬
   ‫من خلفه؟ يدا َم ْن وخلف َم ْن المقصودتان‬            ‫أخرى في تفسير الطبري‪ ،‬ففي المعنى السابق‬
     ‫في الآية؟ الإجابة عند ابن عباس‪« :‬وعن‬                  ‫ورد‪“ :‬يقول تعالى ذكره‪( :‬إ َّنا نح ُن نزلنا‬
     ‫ابن عباس‪ :‬من بين يديه من الله تعالى‪:‬‬               ‫الذكر) وهو القرآن (وإ َّنا ل ُه لحاف ُظون) قال‪:‬‬
   ‫ولا من خلفه يريد من جبريل ‪-‬صلى الله‬                  ‫وإ َّنا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل‬
                                                          ‫ما ليس منه‪ ،‬أو ينقص منه ما هو منه من‬
  ‫عليه وسلم‪ ،-‬ولا من محمد صلى الله عليه‬                 ‫أحكامه وحدوده وفرائضه‪ ،‬والهاء في قوله‪:‬‬
                                 ‫وسلم”‪.‬‬
                                                                            ‫(ل ُه) من ذكر الذكر”‪.‬‬
   ‫طب ًعا الحديث هنا عن القرآن الكريم‪ ،‬لأن‬               ‫الرأي الثاني‪ :‬من المصدر نفسه‪ ،‬يقول إن‬
   ‫الآية السابقة‪ ،‬رقم (‪ )41‬تقول‪« :‬إن الذين‬             ‫هناك كلمة ناقصة أو مضمرة في نهاية قوله‬
 ‫كف ُروا بالذكر لمَّا جاء ُهم وإن ُه لكتا ٌب عزي ٌز”‪،‬‬
                                                            ‫تعالى (وإ َّنا ل ُه لحاف ُظون) وهي (عندنا)‪،‬‬
      ‫وقلنا في التفسير السابق إن الذكر هو‬                  ‫“وحدثني الحسن‪ ،‬قال‪ :‬ثنا شبابة‪ ،‬قال‪:‬‬
     ‫القرآن‪ ،‬وهذا يعني أن ابن عباس يقول‬                     ‫ثنا ورقاء‪ ،‬وحدثني المثنى‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أبو‬
   ‫في تفسير آية (لا يأتيه الباطل) إن القرآن‬                ‫حذيفة قال‪ :‬ثنا شبل‪ ،‬عن ابن أبي نجيح‪،‬‬
   ‫لا يأتيه الباطل من بين يدي الله‪ ،‬ولا من‬                  ‫عن مجاهد‪ ،‬في قوله ( َوإِ َّنا َل ُه َل َحا ِف ُظو َن)‬
‫جبريل ومحمد‪ ،‬وهذا تفسير ليس مستسا ًغا‬                   ‫قال‪ :‬عندنا”‪ ،‬أي أن الله يحفظ القرآن عنده‪،‬‬
      ‫في رأيي‪ ،‬إذ كيف سيأتي الباطل ‪-‬أي‬                   ‫وبالتالي ُيفهم أنه لا يوجد هذا الضمان من‬
   ‫التكذيب حسب القرطبي‪ -‬للقرآن من بين‬                     ‫الله بألا يتم التدخل في القرآن‪ .‬لكن الرأي‬
‫يدي الله أو من جبريل ومحمد‪ ،‬بينما الله هو‬                ‫الثالث يذهب أبعد ويقول إن الهاء في (له)‬
‫الذي يرسله‪ ،‬وجبريل هو الذي ينقله لمحمد‪،‬‬                     ‫لا تعود على القرآن‪ ،‬بل على النبي‪ ،‬ففي‬
 ‫ومحمد هو الذي يبلغه لأمته‪ ،‬وهو الصادق‬                 ‫المصدر نفسه‪« :‬عن قتادة (وإنا ل ُه لحاف ُظون)‬
                                                           ‫قال‪ :‬وقيل‪ :‬الهاء من ذكر محمد‪ ،‬بمعنى‪:‬‬
                                 ‫الأمين؟‬
 ‫إن قرأنا في الصفحة نفسها والفقرة نفسها‬

     ‫سنكتشف أن هذا التفسير الشائع ليس‬
 ‫وحي ًدا أي ًضا‪ ،‬يقول‪« :‬أي لا يكذبه شيء مما‬
 ‫أنزل الله من قبل‪ ،‬ولا ينزل من بعده يبطله‬

    ‫وينسخه‪ -‬حسب الكلبي”‪ ،‬بمعنى أن ما‬
 ‫ورد في القرآن يتطابق مع ما ورد في الكتب‬
   2   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12