Page 8 - m
P. 8

‫العـدد ‪57‬‬                                    ‫‪6‬‬

                                                         ‫سبتمبر ‪٢٠٢3‬‬

   ‫ثم في عهد عثمان بن عفان‪ .‬مع تأكيد على‬                  ‫المقدسة التي سبقته‪ ،‬التوراة والإنجيل‪ ،‬ولن‬
‫أنني لا أقول رأ ًيا من عندي‪ ،‬بل أعرض آراء‬                   ‫يتنزل من بعده ما يكذب ما جاء به‪ .‬بينما‬

                     ‫واجتهادات الأقدمين‪.‬‬                 ‫السدي وقتادة قالا إن (الباطل) هو الشيطان‬
                                                              ‫الذي لن يستطيع أن يغير بالإضافة أو‬
   ‫إحكام القرآن في حياة النبي‬                                 ‫الحذف‪ .‬هذه التفسيرات التي وردت في‬

      ‫في حديث متفق عليه ورد في البخاري‬                    ‫كتاب واحد وفي صفحة واحدة لا تقطع بأن‬
  ‫ومسلم وغيرهما‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬كان‬                        ‫(لا يأتيه الباطل) تعني أن الله ضمن ألا‬

      ‫رسول الله (ص) أجود الناس بالخير‪،‬‬                    ‫يتح َّرف القرآن‪ ،‬على عكس كل القائلين بذلك‬
   ‫وكان أجود ما يكون في شهر رمضان إن‬                        ‫باطمئنان‪ ،‬فهم يأخذون رواية واحدة من‬
 ‫جبريل عليه السلام كان يلقاه‪ ،‬في كل سنة‪،‬‬
    ‫في رمضان حتى ينسلخ‪ ،‬فيعرض عليه‬                        ‫بين عدة روايات ويطمئنون إليها دون دليل‬
  ‫رسول الله (ص) القرآن‪ ،‬فإذا لقيه جبريل‬                  ‫أو سند يبرر التفضيل‪ ،‬وهو اطمئنان عاطفي‬

     ‫كان رسول الله (ص) أجود بالخير من‬                         ‫وليس علميًّا‪ ،‬وإن أضفنا إلى كل ذلك أن‬
    ‫الريح المرسلة”‪ .‬هذا الحديث ‪-‬إن صح‪،‬‬                   ‫المفسرين قالوا إنهم يكتبون كل ما يسمعونه‬
   ‫وقد صححه الألباني‪ -‬يقول إن (جبريل)‬
   ‫كان يأتي النبي كل سنة في رمضان‪ ،‬كل‬                         ‫‪-‬في زمانهم‪ -‬دون تمحيص أو ترجيح‪،‬‬
   ‫ليلة طوال الشهر حتى ينتهي (ينسلخ)‪،‬‬                        ‫سنعرف أن كتب التفسير ليست محكمة‬
 ‫فيعرض عليه النبي القرآن‪ ،‬ما ُيف َهم منه أن‬               ‫يؤخذ عنها‪ ،‬فهي تأتي بالمعنى وعكسه م ًعا‪.‬‬
 ‫ثمة (جس ًدا) يتم (عرضه)‪ ،‬مكتو ًبا في رقاع‬               ‫كما أن هذا القطع ‪-‬إن وجد‪ -‬يستلزم منطقيًّا‬
‫أو نحوه‪ ،‬أو قد يكون محفو ًظا في صدريهما‪،‬‬                    ‫وعقليًّا أن يكون بين أيدي الأوائل (كتاب)‬
‫وهو الاحتمال الأضعف من فهم معنى كلمة‬                        ‫نهائي متفق عليه لا لبس فيه ولا اختلاف‬
    ‫( َع َر َض) التي تعني‪َ « :‬أ ْب َر َز شيئًا لل ِعيان‬       ‫حوله‪ ،‬كتاب وضعه الله بذاته يعني أنه‬
                                                           ‫مغلق لا مجال للتدخل فيه‪ ،‬فهل هذا توفر؟‬
                    ‫و َب َسطه أمام الأ ْنظار”‪.‬‬              ‫هذه الكتابة تعني بالبحث في هذا السؤال‪،‬‬
     ‫غير أن العقل يقول‪ ،‬إن ُكنَّا بإزاء كتاب‬                  ‫من داخل السردية الإسلامية نفسها‪ ،‬لا‬
 ‫كتبه الله وأنزله دستو ًرا للعالمين‪ ،‬أن ُتحف َظ‬             ‫من كتب المستشرقين ولا من كتابات غير‬
 ‫نسخة منه عند النبي‪ ،‬فالنبي كان أميًّا يملي‬                ‫المؤمنين بها‪ ،‬إنطلا ًقا من قاعدة عقلية ترى‬
                                                          ‫أن كتا ًبا كتبه الله‪ ،‬واصطفى لحمله وتبليغه‬
                                                            ‫خير خلقه‪ ،‬من المفترض أن يكون مغل ًقا لا‬

                                                                                ‫لبس فيه‪ ،‬ولا مجال‬
                                                                                ‫للمراوحة في صحة‬
                                                                                 ‫نصوصه‪ ،‬وسوف‬
                                                                              ‫أق ِّسم الحديث عن هذا‬
                                                                             ‫الموضوع على فصلين‪:‬‬
                                                                             ‫الأول ‪-‬هنا‪ -‬يدور عن‬
                                                                              ‫ما أثير من جدل حول‬
                                                                              ‫بعض الآيات‪ ،‬والثاني‬
                                                                             ‫‪-‬القادم‪ -‬عن «الناسخ‬
                                                                                ‫والمنسوخ»‪ ،‬وقصة‬
                                                                             ‫جمع القرآن مرتين‪ :‬في‬
                                                                              ‫عهد أبي بكر الصديق‬
   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13