Page 9 - m
P. 9
افتتاحية 7
جبريل .والحديث ليس غريبًا ولا فري ًدا، على الكتبة الذين من المفترض أنهم يكتبون
ففي القرآن نفسه تصريح بـ»النسيان” له لا لأنفسهم ،فيتركون ما كتبوه عنده،
في قوله“ :ما ننسخ من آي ٍة أو ُن ْن ِس َها نأ ِت
بخي ٍر منها أو مثلها” (البقرة ،)106 :ويقرأ وإن احتفظوا بنسخ منه عندهم ،وهذا الذي
يتركونه هو ما (يعرضه) النبي على جبريل.
بعض المفسرين -الذين نقل عنهم ابن كثير- فهل كان يحدث هذا؟ باقي الأحاديث النبوية
كلمة ( ُن ْن ِس َها) بلفظ ( ُن ْن ِس ُئ َها) أو نرجئها،
ويدخلونها في باب (الناسخ والمنسوخ) الذي تقول غير ذلك.
ففي صحيح البخاري ،باب الشهادات،
سآتي عليه لاح ًقا في فصل آخر ،لكن آخرين حديث رقم ( ،)2512ونصه :حدثنا محمد
بن عبيد بن ميمون ،أخبرنا عيسى بن
-وهم الأغلبية -يفسرونها بمنطوقها وهو يونس ،عن هشام ،عن أبيه ،عن عائشة
رضي الله عنها ،قالت :سمع النبي (ص)
النسيان« :فقال عبد الرزاق ،عن قتادة في رج ًل يقرأ في المسجد ،فقال :رحمه الله ،لقد
أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهن من سورة
قوله( :ما ننسخ من آية أو ننسها) قال :كان كذا وكذا ،وزاد عبَّاد بن عبد الله عن عائشة:
الله تعالى ُي ْن ِسي نبيَّه ما يشاء وينسخ ما تهجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي،
يشاء .وقال ابن جرير :حدثنا سواد بن عبد فسمع صوت عباد يصلي في المسجد ،فقال:
يا عائشة ،أصوت عباد هذا؟ قلت :نعم،
الله ،حدثنا خالد بن الحارث ،حدثنا عوف، قال :اللهم ارحم عبا ًدا .كما ورد الحديث
عن الحسن أنه قال في قوله( :أو ُن ْن ِسها) بالمعنى نفسه في صحيح مسلم ،كتاب صلاة
قال :إن نبيكم (ص) أُ ْق ِر َئ قرآ ًنا ثم نسيه. المسافرين وقصرها ،باب الأمر بتعهد القرآن
وقال ابن أبي حاتم :حدثنا أُ َب ّي ،حدثنا ابن وكراهة قول نسيت آية كذا وجواز قول
نفيل ،حدثنا محمد بن الزبير الح َّراني ،عن
الحجاج يعني الجزري عن عكرمة ،عن ابن أنسيتها ،حديث رقم (.)788
الحديث المذكور يشير إلى (نسيان) آية أو
عباس ،قال :كان مما ينزل على النبي (ص)
أكثر من القرآن ،والنسيان يشير إلى أن
الوحي بالليل وينساه بالنهار ،فأنزل الله عز الآيات ليست مسجلة في رقاع ،أو أن النبي
وجل( :ما ننسخ من آية أو ُن ْن ِس َها نأ ِت بخير لا يحتفظ بنسخة منها كي (يعرضها) على
منها أو مثلها)”.
النسيان معناه عدم الإحكام ،لأنه لو
افترضنا أن القرآن كان مكتو ًبا فما سيحدث
منطقيًّا هو (الحذف) وليس النسيان،
الحذف بإتلاف الرقعة لكن النسيان بعدم
تذكرها ،والفارق شاسع.
باب النسيان هذا باب مخيف ،لأن الناسي
يدرك أنه نسي حين يتذكر ما نسيه،
فيدرك أن ثمة مشكلة يجب إصلاحها وإعادة
فلسنؤاي ٌلدرمكه ٌّمأ:ن إهذ َان ِس َي
يتذكر لو لم تدبرها ،أما
سيثار وهنا من الأصل،
كان مبدأ النسيان موجو ًدا ،استنا ًدا إلى أن
(كتاب الله) غير مسجل ،فمن يضمن أن
هناك آيات أخرى ُن ِس َي ْت دون أن يتذكر
الناسي أنه نسيها؟ والسؤال الأكثر أهمية:
إذا كان الله قد َأ ْن َسى النب َّي هاتين الآيتين؛
فلماذا لم ينساهما عبَّاد ،وغيره؟ ما فائدة أن