Page 14 - m
P. 14

‫العـدد ‪57‬‬                                          ‫‪12‬‬

                                                    ‫سبتمبر ‪٢٠٢3‬‬

  ‫أنزل الله عز وجل‪“ :‬ترجي من تشاء منهن‬                     ‫آيتان أكلهما الداجن‬
    ‫وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن‬
                                                    ‫ورد حديث موقوف رقم (‪ )25722‬في مسند‬
‫عزلت” (الأحزاب‪ )51 :‬قالت‪ :‬قلت‪“ :‬والله‪ ،‬ما‬              ‫أحمد بن حنبل يقول‪« ،‬عن عمرة بنت عبد‬
 ‫أرى ربك إلا يسارع لك في هواك”‪( .‬أخرجه‬
                                                     ‫الرحمن‪ ،‬عن عائشة زوج النبي (ص) قالت‪:‬‬
         ‫البخاري في «صحيحه» (‪.))4788‬‬                ‫لقد أنزلت آية الرجم ورضعات الكبير عش ًرا‪،‬‬
 ‫وعلى الرغم من أن الشارحين قد أ َّولوا قول‬
‫السيدة عائشة بأنها تقصد أن الله يسارع في‬               ‫فكانت في ورقة تحت سرير في بيتي‪ ،‬فلما‬
‫تلبية طلبات نبيه‪ ،‬باعتبار أنها أخطأت في لفظ‬             ‫اشتكى رسول الله (ص) تشاغلنا بأمره‪،‬‬
  ‫كلمة (هوى) وكان عليها أن تقول (يسارع‬              ‫ودخلت دويبة لنا فأكلتها»‪ .‬كما ورد عند ابن‬
 ‫في رضاك)‪ ،‬أي أنهم بنوا تفسيرهم على لفظ‬               ‫ماجه في السنن (‪« :)1944‬عن عبد الرحمن‬
  ‫آخر (تمنَّ ْوا) لو أن عائشة قالته‪ ،‬بدي ًل عن‬          ‫بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت‪ :‬لقد‬
                                                         ‫نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عش ًرا‪،‬‬
   ‫اللفظ الذي قالته بالفعل وأُثبت عنها! فإن‬             ‫ولقد كان في صحيفة تحت سريري‪ ،‬فلما‬
 ‫عرفنا أن التنزيل الذي كانت تقصده السيدة‬             ‫مات رسول الله وتشاغلنا بموته دخل داجن‬
‫عائشة يخص ترك النبي القسم بين زوجاته‪،‬‬
                                                                                     ‫فأكلها»‪.‬‬
     ‫فيبيح له الله أن يؤوي من يشاء منهن‪،‬‬             ‫أهمية هذا الحديث أن ال ُح ْكمين الوارد ْين فيه‬
  ‫ويترك منهن متى يشاء‪ ،‬ويقسم لمن يشاء‪،‬‬
                                                       ‫(الرجم ورضعات الكبير عش ًرا) مختلفان‬
    ‫ويترك القسم لمن يشاء‪ ..‬وهو أمر يعني‬              ‫عن الثابت والذي كان معمو ًل به حتى وفاة‬
   ‫السيدة عائشة مباشرة كإحدى الزوجات‪،‬‬
                                                        ‫النبي‪ ،‬فحكم الزنا وارد في الآية (‪ )2‬من‬
     ‫يمكن أن نستنتج أنها قصدت ما لفظته‬              ‫سورة النور بالجلد لا الرجم «الزاني ُة والزاني‬
          ‫بالفعل‪ ،‬وليس ما تمناه المفسرون‪.‬‬
                                                        ‫فاجل ُدوا ُكل واح ٍد من ُهما مائة جلد ٍة”‪ ،‬ولا‬
      ‫وقولها هذا‪ ،‬لا أقول إن فيه تشكي ًكا في‬          ‫وجود لرضاع الكبير في القرآن أص ًل‪ ،‬لكن‬
   ‫التنزيل‪ ،‬ولكنه لا ينزله منزلته على الأقل‪،‬‬           ‫بعض الأحاديث النبوية تذكر أن ال ُحكمين‬
 ‫وبالتالي فوضع آيتي الرضاع والرجم تحت‬                ‫كانا موجودين ومعمو ًل بهما بالفعل‪ ،‬لكنهما‬
   ‫الفراش في متناول الداجن ليس مستغر ًبا‪.‬‬           ‫ُن ِس َخا لف ًظا ولم ُينسخا حك ًما‪ ،‬وباب «الناسخ‬

       ‫الثاني‪ :‬إذا كانت النسخة التي (أكلها‬               ‫والمنسوخ» باب كبير سأتوقف عنده في‬
  ‫الداجن) على قول السيدة عائشة قد ُفقدت‪،‬‬            ‫المبحث الآتي لأنه يحتاج إلى نظر‪ ،‬وهو لا يهم‬
 ‫فهل كانت الوحيدة؟ بمعنى‪ :‬هل كتبها كاتب‬
                                                       ‫هذه الكتابة على أي حال‪ ،‬وإنما اللافت في‬
    ‫واحد وسلمها للنبي‪ ،‬الذي سلمها بدوره‬                                    ‫الحديث ثلاثة أمور‪:‬‬
   ‫لعائشة فوضعتها تحت فراشها‪ ،‬دون أن‬
‫يكتبها كاتب آخر‪ ،‬أو يحتفظ الكاتب (الوحيد)‬                ‫الأول‪ :‬هو الإهمال فيما لا يجب إهماله‪:‬‬
    ‫بنسخة لنفسه؟ وإذا كانت نسخة وحيدة‬                     ‫فوضع رقعة تحتوي قرآ ًنا كتبه الله في‬
 ‫وسلمنا بذلك‪ ،‬فهل كانت الآيتان سريتين لا‬              ‫متناول الداجن ليس عم ًل صائبًا‪ ،‬وينم عن‬
   ‫يحفظهما أي حافظ فأملاها على لجنة أبي‬              ‫أن َم ْن قام بهذا الفعل لا ُينزل القرآن منزلته‬
 ‫بكر أو لجنة عثمان اللتين جمعتا القرآن من‬               ‫من التقديس‪ .‬وحيث إن من فعل ذلك هي‬
                                                     ‫السيدة عائشة فإن هذا يستدعي حديثًا آخر‬
                     ‫الرقاع ومن الصدور؟‬
   ‫الثالث‪ :‬ألا يناقض هذا الحديث الآية التي‬                                        ‫مرو ًّيا عنها‪.‬‬
‫تقول «اليوم أكمل ُت ل ُكم دين ُكم وأتمم ُت علي ُكم‬   ‫فورد في صحيح مسلم (‪ )3631‬عن عائشة‪،‬‬
 ‫نعمتي ورضي ُت ل ُك ُم الإسلام دينًا” (المائدة‪:‬‬
  ‫‪ )3‬التي نزلت يوم جمعة بعد حجة الوداع‪،‬‬                ‫قالت‪ :‬كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن‬
                                                    ‫لرسول الله‪ ،‬وأقول‪ :‬وتهب المرأة نفسها‪ ،‬فلما‬
   9   10   11   12   13   14   15   16   17   18   19