Page 16 - m
P. 16

‫العـدد ‪57‬‬                                    ‫‪14‬‬

                                              ‫سبتمبر ‪٢٠٢3‬‬

‫تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى‪ ،...،‬ولم تذكر فيهما كلمة الغرانيق صراحة‪ ،‬ومع‬
‫ثم جاءه جبريل بعد ذلك‪ ،‬قال‪ :‬اعرض عليَّ ذلك فقد ورد فيهما ما يدل عليها من أن‬
                                              ‫ما جئتك به‪ .‬فلما بلغ‪ :‬تلك الغرانيق العلى‬
‫المسلمين والمشركين جميعهم سجدوا خلف‬
‫وإن شفاعتهن لترتجى‪ .‬قال له جبريل‪ :‬لم النبي‪ ،‬فقد ورد في البخاري أربعة أحاديث‬
‫آتك بهذا؛ هذا من الشيطان‪ ،‬فأنزل الله (وما عن حفص بن عمر وعبدان بن عثمان وابن‬
                                              ‫أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي)”‪.‬‬
‫عباس وعبد الله بن مسعود «أن النبي‬
                                                    ‫الجديد في رواية السيوطي قوله‪( :‬ثم)‬
  ‫(ص) سجد بالنجم‪ ،‬وسجد مع ُه المُسل ُمون‬        ‫جاءه جبريل (بعد ذلك)‪ ،‬وقال لم آتك بهذا‬
  ‫والمُشر ُكون والج ُن والإن ُس”‪ .‬وورد حديث‬
 ‫واحد في صحيح مسلم عن محمد بن المثنى‬                                          ‫(فأنزل)‪.‬‬
‫ومحمد بن بشار «عن النبي أنه قرأ‪ :‬والنجم‪.‬‬             ‫نلاحظ أن (ثم) حرف عطف له معنى‬
‫فسجد فيها‪ .‬وسجد من كان معه”‪ .‬لذلك فإن‬            ‫الترتيب بانفصال‪ ،‬يعني الترتيب بعد مدة‬
  ‫من يحاج بأن الصحيحين لم يوردا القصة‬         ‫تفصل الحدثين‪ ،‬أي ب ُمهلة سوا ٌء أطويلة كانت‬
                                                  ‫أم قصيرة‪ .‬أما (الفاء) في قوله (فأنزل)‬
    ‫لا يقول الحقيقة كاملة‪ ،‬لأن المشركين لن‬       ‫فتأتي عاطفة ف ُتفيد الترتيب والتعقيب‪ ،‬أي‬
 ‫يسجدوا وراء النبي إلا لسبب‪ ،‬ومسألة ذكر‬           ‫الترتيب المباشر‪ ،‬نحو‪“ :‬قام زي ٌد فعمرو‪.‬‬
                                                    ‫حبس ُه فقتله”‪ .‬والسببية نحو “ضرب ُه‬
            ‫آلهتهم بخير تبدو سببًا منطقيًّا‪.‬‬      ‫فمات”‪ .‬والمفهوم أن آيتي الغرانيق نزلتا‬
     ‫على العموم فإن ما يستوقفني في قصة‬          ‫و ُعمل بهما فترة من الزمن (ثم) اكتشفهما‬
   ‫الغرانيق ليس صدقها أو كذبها‪ ،‬فالخلاف‬             ‫جبريل‪ ،‬فنزلت آية سورة الحج المشار‬
  ‫حول صحتها بين الرواة أمر طبيعي لأنهم‬         ‫إليها‪ .‬لكن اللافت أن المدة بين نزول الآيتين‬
     ‫يختلفون في كل شيء تقريبًا‪ ،‬وفي أمور‬
     ‫في صلب العقيدة‪ ،‬لدرجة أن الثابت هو‬                                  ‫ليست قصيرة‪،‬‬

                                                           ‫فسورة‬

                                                           ‫النجم مكية‪،‬‬

                                                           ‫ترتيب نزولها‬

                                                           ‫(‪ ،)23‬بينما‬

                                                           ‫سورة الحج‬

                                                           ‫مدنية‪ ،‬نزلت‬

                                                           ‫بعد الهجرة‪،‬‬

                                                           ‫وترتيب نزولها‬

                                                           ‫(‪ ،)103‬وليس‬
                                                           ‫معقو ًل أن‬

                                                           ‫تترك (الآيات‬

                                                           ‫الشيطانية)‬

                                                           ‫كل هذا الوقت‪.‬‬

                                                           ‫القصة لم‬

                                                           ‫ترد صريحة‬

                                                           ‫عند البخاري‬

                                                           ‫ومسلم في‬

‫سورة طه (‪ -)2‬مخطوطة نسخة برمنجهام‬                          ‫صحيحيهما‪،‬‬
   11   12   13   14   15   16   17   18   19   20   21