Page 18 - m
P. 18

‫العـدد ‪57‬‬                                                                                             ‫‪16‬‬

                                                                                                                                  ‫سبتمبر ‪٢٠٢3‬‬

‫َف َع ْل ُت ْم‬  ‫َما‬  ‫َع َل‬  ‫َف ُت ْصبِ ُحوا‬  ‫َُتنا ِِدص ِمييُب َنوا”‪َ.‬ق ْو(ا ًملاح ِب َججرَهاا َلت ٍة‪:‬‬                ‫الدؤلي على المصحف كان بدائيًّا‪ ،‬وبالتنقيط‪،‬‬
                                  ‫‪)6‬‬                                                                                  ‫فالفتحة نقطة فوق الحرف‪ ،‬والضمة نقطة‬

‫ويقول الطبري في تفسير الآية‪« :‬واختلفت‬                                                                                 ‫بعد الحرف‪ ،‬والكسرة نقطة أسفله‪ ،‬والتنوين‬

‫الق َّراء في قراءة قوله ( َف َت َبيَّ ُنوا) فقرأ ذلك عامة‬                                                                         ‫نقطتان‪ ،‬وكل هذا بلون مختلف عن لون‬
 ‫قراء أهل المدينة ( َف َت َثبَّ ُتوا) بالثاء‪ ،‬و ُذكر أنها‬                                                             ‫الكتابة‪ ،‬في حين لم يضع شك ًل للسكون‪ ،‬وقد‬

‫في مصحف عبد الله منقوطة بالثاء‪ .‬وقرأ ذلك‬                                                                              ‫تطورت هذه الأشكال إلى ما نستعمله اليوم‪،‬‬

‫بعض الق َّراء فتبيَّنوا بالباء‪ ،‬بمعنى‪ :‬أمهلوا‬                                                                                                  ‫وهذا هو الن ْقط الأول‪.‬‬
  ‫حتى تعرفوا صحته‪ ،‬لا تعجلوا بقبوله‪،‬‬                                                                                  ‫أما الن ْقط الثاني‪ :‬الذي أُدخل على المصحف‬

‫وكذلك معنى ( َف َت َثبَّ ُتوا)‪ .‬والصواب من القول‬                                                                                  ‫فهو «ما يدل على ذات الحرف بما يميز‬
   ‫في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا‬
                                                                                                                                  ‫المعجم من المهمل‪ .‬ويقصد بالمعجم هنا )‬

‫المعنى‪ ،‬فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب”‪.‬‬                                                                                   ‫الحرف) المنقوط‪ ،‬نحو‪( :‬ت‪ ،‬ج‪ ،‬خ)‪ .‬والمهمل‬

‫وهنا سنجد أنفسنا أمام المراوحة ذاتها التي‬                                                                             ‫(الحرف) غير المنقوط‪ ،‬نحو‪( :‬س‪ ،‬ص‪ ،‬ح)”‬

‫تتعارض مع إغلاق النص الذي كتبه الله‪،‬‬                                                                                              ‫(معجم علوم القرآن‪ ،‬ص‪« ،)294‬ويرجح‬

‫والذي يقال إنه يقصد كل حرف فيه كما‬                                                                                    ‫بعض الباحثين أن أول من أبدع واستعمل‬

‫أنزله‪ ،‬وإن اللغة العربية ليس بها مترادفات‪،‬‬                                                                                        ‫نقط الإعجام نصر بن عاصم ويحيى بن‬

‫فكل لفظ يختلف في معناه عن الآخر‪ :‬قام‬                                                                                  ‫يعمر الليثي‪ .‬وكان الحجاج بن يوسف الثقفي‬

‫غير وقف‪ ،‬وقعد غير جلس‪ ،‬وأتى غير جاء‪..‬‬                                                                                             ‫قد ندبهما إلى القيام بواجب ن ْقط القرآن‪،‬‬
                                                                                                                      ‫وفق نظام يعتمدونه‪ ،‬وذلك لمَّا شاع اللحن‬
‫إلخ‪ .‬والأغرب من هذا الاختلاف قول الطبري‬
                                                                                                                      ‫والتصحيف في قراءة القرآن الكريم‪ .‬وكان‬
‫“فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب”‪ ،‬وكأنه‬
                                                                                                                      ‫هذا الن ْقط بلون مداد المصحف‪ ،‬ليميز من ن ْقط‬
‫من المقبول أن يقول الله كلمة وأقول غيرها‬
                                                                                                                      ‫الإعراب الذي وضعه أبو الأسود”‪( .‬نفسه)‬
‫فأكون مصيبًا لمجرد أنها تعطي المعنى نفسه!‬
 ‫فلماذا كان غضب النبي ‪-‬إذن‪ -‬من ابن أبي‬                                                                                ‫الحجاج بن يوسف الثقفي ولد في الطائف‬

‫السرح إن كان «علي ًما حكي ًما» هي نفسها‬                                                                               ‫عام ‪ 40‬وتوفي في واسط بالعراق عام ‪95‬هـ‪،‬‬
                      ‫«حكي ًما علي ًما»!!‬
                                                                                                                      ‫‪714 -661‬م‪ ،‬أي أن تنقيط الحروف حدث‬

‫تعدد القراءات والاختلافات بينها‬                                                                                                   ‫بعد ‪ 75‬عا ًما من وفاة الرسول بالتقريب‪.‬‬
                                                                                                                                  ‫لكن الملاحظ أنه في الجمع الأول في عهد‬

‫الباحث وخبير المخطوطات المغربي محمد‬                                                                                               ‫أبي بكر الصديق‪ ،‬والجمع الثاني في عهد‬
                                                                                                                      ‫عثمان بن عفان‪ ،‬وفي تشكيل القرآن‪ ،‬أو ن ْقط‬
‫لمسيح‪ ،‬الذي يعيش في فنلندا ويعمل ضمن‬                                                                                  ‫الإعراب‪ ،‬وتنقيط الحروف‪ ،‬أو ن ْقط الإعجام‪،‬‬

‫فريق علمي أجنبي في فحص المخطوطات‬                                                                                                  ‫في كل هذا كان يقال إن السبب “إشاعة‬

‫لمعرفة تاريخها وأصلها‪ ،‬له اجتهادات مهمة‬                                                                                           ‫اللحن والتصحيف”‪ ،‬واللحن هو الخطأ‬

‫في قراءة معاني مفردات القرآن كما كانت‬                                                                                             ‫في الإعراب؛ كأ ْن ُي ْن َصب الفاعل أو ُيرفع‬

‫تعرف وقت التنزيل‪ ،‬فاللغة كما هو معروف‬                                                                                 ‫المفعول‪ ،‬والتصحيف هو الخطأ في الحروف‬
                ‫‪-‬أو ًل‪ -‬تنزاح عن معانيها بفعل الزمن‬
                                                                                                                      ‫التي ُي َف َّر ُق بينها بالنقاط؛ كالصاد والضاد‪،‬‬
‫والاستخدام واختلاف الأماكن‪ ،‬مثل كلمة‬                                                                                  ‫والعين والغين‪ .‬وحتى اليوم يقدم النحاة لنا‬
‫(حجاب) التي كانت تعني (حائط)‪َ « :‬وإِ َذا‬
‫لَِمُق َتلُاو ًعِبا ُك َْفما َْوس ُقَألُُلوو ِب ُهِه َّنَّن» ِم(نال َأو َرحازِءا ِبح‪َ :‬جا ٍب‬  ‫َس َأ ْل ُت ُمو ُه َّن‬  ‫مث ًل بالخلط بين كلمتي (تثبتوا) و(تبينوا)‬
                                                                                              ‫َذلِ ُك ْم َأ ْط َه ُر‬
                                                                                                                      ‫َأ ُّي َها‬  ‫اللتين لهما المعنى نفسه‪ ،‬والشكل الكتابي‬
                                                                                                                       ‫َأن‬
‫‪ ،)53‬فيقول الطبري في تفسيره للآية‪« :‬وإذا‬                                                                                          ‫إآ َمن ُن ُورافإِعنت َاجلانَءق ُاك ْمط‪َ ،‬فاو ِذسل ٌقك ِبفَن َيبإٍق َفوَتلَبهيَّ ُن«وَياا‬  ‫نفسه‬
                                                                                                                                                                                                                            ‫الَّ ِذي َن‬
   13   14   15   16   17   18   19   20   21   22   23