Page 23 - m
P. 23

‫‪21‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                   ‫يج ُّر خطا ُه على وجه قيثار ٍة(‪.)2‬‬         ‫وسجنه في التاريخ‪ ،‬وطبيعة العمل الفني بهدف‬
     ‫وأدونيس في نقده لهذه الرؤية يركز على إيراد‬                               ‫تغيير السياق العربي السائد‪.‬‬
   ‫النصوص المتنوعة سوا ًء على المستوى الديني أو‬
 ‫الثقافي؛ لأن العقل الإسلامي موجود في النصوص‬                ‫‪ -2‬يجب أن يكون التجديد من قلب التراث لا من‬
      ‫والعقول‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فإن دراسته دراسة نقدية‬            ‫خارجه‪ ،‬وليس معني التجديد القطيعة مع الماضي؛‬
   ‫تاريخية ‪-‬لا تجريدية تأملية‪ -‬أمر ممكن‪ .‬بل إن‬
   ‫نقده بهذا المعني يشكل الخطوة الأولى التي لا بد‬              ‫لأن الإنسان العربي مجذر في أصوله التراثية‬
    ‫منها لكي يدخل المسلمون الحداثة(‪ ،)3‬وهو يركز‬                                               ‫الكلاسيكية‪.‬‬
   ‫هنا على «النقد الداخلي»‪ ،‬ويعتبره نقطة الانطلاق‬
   ‫الأساسية‪ .‬فالواقع أن جرثومة المرض الموجودة‬                  ‫‪ -3‬العودة إلى الماضي أمر ضروري‪ ،‬وطبيعي‬
    ‫فينا‪ ،‬في الداخل‪ .‬وكل من يقول غير ذلك لا يعتد‬            ‫في نفس الوقت‪ ،‬لكن هذه العودة لن يكون لها أي‬
                                                              ‫أهمية إذا لم تقدنا إلى المستقبل‪ ،‬ولن يحدث ذلك‬
              ‫بكلامه‪ .‬وإذن فشعارنا‪ :‬الداخل أو ًل‪.‬‬            ‫إلا بإحداث قطائع مع النزعة التسلطية‪ ،‬والعقول‬
     ‫ولكن السؤال المضمر هنا‪ ،‬والذي نستكنهه من‬
   ‫البني العميقة للنص السابق‪ :‬أين المرأة وسط هذا‬              ‫الدوغمائية‪ ،‬وما انبثق عنها من ثقافة سارت في‬
     ‫المجتمع المغلق‪ ،‬هي كذلك لا شيء‪ ،‬المرأة ليست‬                                            ‫ركاب السلطة‪.‬‬
‫موجودة في حد ذاتها إلا باندماجها مع الآخر‪ ،‬إذن‪:‬‬
‫وجودها غير مشروط في كينونتها في الفهم السائد‪.‬‬                                       ‫راب ًعا‪ :‬تقسيم البحث‪:‬‬
   ‫يقول أدونيس‪« :‬المخيلة الإسلامية تضيئنا كثي ًرا‬          ‫وسوف ينطلق هذا البحث من ثلاثة محاور‪ ،‬وهي‪:‬‬
 ‫في فهم جغرافية عالمها الدنيوي‪ ،‬بل إننا لا نقدر أن‬
  ‫نفهم هذه الثانية فه ًما حقيقيًّا‪ ،‬إلا انطلا ًقا من فهم‬                    ‫‪ -1‬نقد أدونيس للتراث العربي‪.‬‬
    ‫الأولى‪ .‬فالأنوثة‪ ،‬وف ًقا للمخيلة التي ترتبط بهذه‬         ‫‪ -2‬رؤية أدونيس للمهمشين في التاريخ العربي‪.‬‬
 ‫الجغرافية‪ ،‬الأنوثة بمعناها الديني الأكمل لا وجود‬
‫لها إلا في الآخرة‪ ،‬في الجنة‪ ،‬وهي موجودة بوصفها‪،‬‬                     ‫‪ -3‬تماهي أدونيس مع المشروع الغربي‪.‬‬
   ‫حصر ًّيا‪ ،‬متعة ولذة‪ :‬المتعة الأكثر إشبا ًعا‪ ،‬واللذة‬
                                                             ‫أو ًل‪ :‬نقد أدونيس للتراث العربي‬
                                ‫الأعظم كما ًل»(‪.)4‬‬
‫هذا الفهم أعاق المرأة كثي ًرا‪ ،‬وما زال‪ ،‬وهذا هو الذي‬        ‫في نفس الوقت الذي يدعو فيه أدونيس لأن تكون‬
                                                          ‫هناك قراءات أخرى للتراث‪ ،‬يدعو في مواضع أخرى‬
  ‫شكل المرأة باعتبارها مقهورة معتمدة على غيرها‪،‬‬
   ‫رغم النقلة النوعية الكبيرة التي أحدثها الإسلام‪،‬‬           ‫إلى ضرورة إحداث قطيعة معه‪ ،‬ومع التصورات‬
   ‫والموجودة بشكل جوهري في النص الديني‪ ،‬هذا‬               ‫التي رافقته؛ لأنها قامت في الأساس‪ ،‬كما يرى‪ ،‬على‬

      ‫التصور السائد هو الذي أعطى المزية الكبرى‬               ‫فكرة التنافي‪ ،‬وليس التعددية‪ ،‬ثم ُيرجع بعد ذلك‬
   ‫للرجل‪ ،‬على مدارات التاريخ العربي؛ لذا فلا نجد‬           ‫سبب التنافي إلى أن الأفكار رغم اختلافها لم تنعتق‬
 ‫في تاريخنا مث ًل امرأة مثل‪ :‬ابن رشد‪ ،‬أو ابن سينا‪،‬‬          ‫من ربقة الدين‪ ،‬بل حاولت أن تتمثله على أكثر من‬
  ‫أو أنصافهما‪ ،‬حتى الشعر لا نجد شاعرة في مقام‬             ‫صعيد‪ :‬على مستوى البني السياسية‪ ،‬والاقتصادية‪،‬‬
    ‫امرئ القيس‪ ،‬أو النابغة أو زهير‪ ،‬حتى الحديث‬
    ‫عن المرأة في الشعر هو حديث على هامش المرأة‪،‬‬               ‫والاجتماعية‪ ،‬وحتى على صعيد المستوى الفني‪،‬‬
  ‫وهذا يرجع إلى أن «المرأة العربية غير موجودة في‬           ‫ومن أهم القضايا التي حاول أدونيس أن يقوضها‬
‫الشعر بالمعني العميق للكلمة‪ ،‬من حيث هي كيان له‬              ‫في هذا التراث‪ ،‬هي الرؤية السائدة للمرأة‪ ،‬التي لا‬
  ‫أعماق‪ ،‬وعالم داخلي‪ .‬فنحن حين نقرأ شع ًرا غزليًّا‬
 ‫لا نعرف ما طرأ على هذا الشاعر من تحول عميق‪.‬‬                 ‫ترى المرأة سوي أداة للشهوة والمتعة‪ ،‬من وجهة‬
                                                                                     ‫نظره‪ ،‬يقول أدونيس‪:‬‬
                                                                                                ‫إ َّن َها امرأ ٌة‬
                                                                                      ‫نصفها َر ِح ٌم وجما ٌع‬
                                                                                              ‫والبقيّ ُة َش ٌر‪.‬‬
                                                                                           ‫هكذا َر َس ُموها‪.‬‬
                                                                                           ‫هكذا وصفوها‪.‬‬
                                                                                           ‫زم ٌن‪ -‬عنكبو ٌت‬
   18   19   20   21   22   23   24   25   26   27   28