Page 26 - m
P. 26
مع المشروع الغربي الرؤية التي تبناها أدونيس رؤية
ينتقد أدونيس العالم الذي يشكله الأفق مشتتة بمعنى أننا لو نظرنا لأدونيس
الديني ،لأنه يعيش في وهم اليقين المطلق؛ باعتباره شاعًرا علمان ًّيا صر ًفا ،أو
لذا يلجأ للعدمية ومفادها أن التطور لا باعتباره صوف ًّيا ملح ًدا ،كما صرح في
يمكن أن يؤدي إلى شيء ،وأنه لا وجود كتابه الهوية غير المكتملة ،فإن هذا
لوحدة كلية ،ولا لنظام يحكمان هذا
العالم ،فيصل إلى اتهام هذا العالم بالوهم، لا يتوافق مع موقفه من القرامطة،
فيخترع عالمًا آخر ،سرعان ما يكتشف أن فعلمانية أدونيس ليست علمانية
هذا العالم كذلك هو زيف .ويعتبر أدونيس
العالم الخالي من الألوهة ،والإلحاد بمعناه جذرية ،وخلفيته التي يظهرها لا
الشامل هو نهاية الوعي ،ونقده للوحي تضاهي ما كتبه في أعماله الشعرية.
«لم يكن إلا نق ًدا للسياسة .فنقد السماء
هنا إنما هو نقد للأرض .وهذا النقد لا
يتناول مبادئ وأفكا ًرا فحسب ،وإنما ولكنه رجع مؤخًرا عن هذا التنظير،
يتناول أي ًضا النظام الاجتماعي -السياسي ولكن رجوعه هذا كان مضمًرا داخل
بمقدار ما يعكس هذه الأفكار والمبادىء، بنيته الشعرية..
ويمثلها»( ،)13يقول أدونيس:
« َقا ِرئ ال َّرمل َيسأ ُل:
من أي َن َت ْأ ِتي إلى ال َك ْون تظهر في هذه المقطوعة ردة أدونيس الواضحة
هذي الر َسالات، عما قاله في كتابه الأشهر (الثابت والمتحول) عن
من أين يأ ِتيه َه َذا ال َب َلغ؟
َأ ُه ْسو َأاللمِ:لء وأ َنا َقا ِريء ال َكون، القرامطة .والانحياز المطلق لهذه الحركة ،وكل
من أين يأتي إلي ِه- الدعوات الثورية ،والتي يعتبرها محور التحول في
والما ِلء ال ُك ُّل، تاريخنا ،فينتقد الصراع الحادث بين فرق القرامطة
هذا الفراغ؟»()14
على السلطة ،والمال ،وقتل المختلف ونبذه ،وكيف
أضعف هذا الخلاف موقفهم؛ لكي يبين أن السلطة،
والمعارضة في تاريخنا العربي وجهان لعملة واحدة ،إذن ،ليس هناك كيفية لإعادة المجتمع العربي إلا
بإبعاد سلطة السماء عن الأرض ،من هنا يستطيع بل هي «مهزلة كبري ،كمثل الموالاة ،سياسية
إقامة مجتمع علماني ودولة علمانية ،وهو يردد ذلك وثقافية ،أخلا ًقا ،وقي ًما ،وعلاقات في (الوطن) وفي
في ثنايا الديوان يؤكد على فكرة موت الله ،ليؤكد (المنفي) سجون أخرى .قيود أخرى .ظلام آخر»()11؛
فاعلية الإنسان في بناء وجوده ،ليصبح الإنسان كي نصل إلى نتيجة مفادها أن السلطة والمعارضة
سيد ذاته وسيد العالم(.)15 بعيدان عن الحقيقة .وهذا إن دل فإنما يدل على
وظاهر نصوص أدونيس ،وكلامه يؤكدان أنه لا أن «أعظم الأفكار ،حين يتبناها عقل لم يتحرر هو
ذاته ،من بنيته ،وأصوله المغلقة ،المطلقة ،الواحدية ،يقصد مجرد رفض الواقع العربي الكائن فقط،
بل رفض النظام المعرفي الذي يبدأ من الله ،ومن
ثم نستطيع أن نتجاوز واقعنا الراهن ،ففي رفض لن تكون إلا انغلا ًقا وظلا ًما .فالأفكار الأكثر تقد ًما
تصبح ،حين يمارسها ذهن متخلف ،الأفكار الأكثر
الألوهة إعلان لبناء مجتمع جديد يؤسس نظامه
تخل ًفا»(.)12
المعرفي الإنسان فقط بعي ًدا عن الإجابات المتخمة
الموجودة داخل النسق المعرفي العربي القائم على ثال ًثا -تماهي أدونيس