Page 30 - m
P. 30

‫العـدد ‪57‬‬   ‫‪28‬‬

                                                    ‫سبتمبر ‪٢٠٢3‬‬

‫والتعايش لا الإقصاء‪ ،‬الدين كما يرى الشاعر قدرة‬        ‫للشمس مجا ًل في النهار يحب لها ما يحب لنفسه‪،‬‬
   ‫على العطاء‪ ،‬الدين هو ذلك القمر المسامر في الليل‬       ‫وتلك من كوامل الإيمان الحق‪ ،‬لغة لا تخلو من‬
    ‫الموحش‪ ،‬هو ذلك المحب المتحلي بفضيلة الإيثار‪.‬‬          ‫التعريض بالتدين الشكلي‪ ،‬تعريض مبتكر‪ ،‬لا‬
    ‫أريد أن أعطي رمزية القمر مزي ًدا من الفهم؛ إن‬       ‫بالاستفهام الموروث‪ ،‬لكن بالاعتماد على الإثبات‬

‫شيئًا ما في الرمز يختلف عن الاستعارة؛ لأنه يقاوم‬     ‫والنفي‪ ،‬بالاعتماد على صورتين للأنثى‪ ،‬انظر معي‬
    ‫النقل المنطقي‪ ،‬فالقمر هنا مسامر‪ ،‬يصوم‪ ،‬يؤثر‬       ‫كلمتي (كعكة‪ /‬فخذ شاة) تلكما شهوتان‪ ،‬شهوة‬
   ‫الغير على نفسه‪ ،‬وفي التوطئة كان الشاعر باحثًا‬
                                                                              ‫الروح‪ ،‬وشهوة الجسد‪.‬‬
  ‫عن كآبة مقمرة‪ ،‬وعتبة الديوان الأولى مسجد على‬                 ‫«الدين عندي‪ ..‬كعكة محشوة باللوز‬
   ‫القمر‪ ،‬وللقمر في المخيلة العربية إرث كبير‪ ،‬فثمة‬
   ‫سورة قرآنية كريمة تحمل اسم القمر‪ ،‬فيها من‬                      ‫ناولها الإله لعالم جوعانة أخلاقه‬
   ‫الآيات الدالة على صدق الرسالة المحمدية‪ ،‬وحث‬                           ‫لا فخذ شاة للطويلة ذقتهم‬
    ‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬على أن يتولى عن‬                                   ‫فالورد أص ًل مسلم‬
   ‫المعارضين المعاندين يوم يدعي الداعي إلى شيء‬
‫نكر‪ ،‬وفيها استحضار لنبي الله نوح وتكذيب قومه‬              ‫ولكم تصدق من شذاه لصحة الفقراء مثلي‬
                                                          ‫والبيانو مسلم ما زال يأمر قلب مستمعيه‬
     ‫وكذلك تكذيب عاد وثمود‪ ،‬وتكرار الإشارة إلى‬
  ‫تيسير القرآن للذكر‪ ،‬القمر في النص الأعظم رمز‬                                           ‫بالمعروف‬
 ‫الهداية وظهور الحق مسامرة للمتقين وعلامة على‬                                  ‫والقمر المسامر مسلم‬
   ‫الحق‪ ،‬انبلاج النور في ظلمة الليل‪ ،‬ورد ذكره في‬      ‫قد صام طول نهاره عن ضوئه وأحب للشمس‬
‫القرآن سبع وعشرين مرة‪ ،‬القمر فيها أمارة الهداية‬                             ‫الشقية ما أحب لنفسه»‬
  ‫والحسبان‪ ،‬دليل كوني على قدرة الخالق‪ ،‬وصدق‬         ‫شعرية النص عندي خروج عن المعهود إلى المعهود‪،‬‬
                                                    ‫ميلاد وبعث جديد للكلمات والأشياء‪ ،‬شعرية النص‬
                               ‫الرسالة المحمدية‪.‬‬    ‫حجاجية المتخيل لإعادة بناء الواقع المعاش‪ ،‬مزاوجة‬
  ‫والقمر كما يرى الغزالي إشارة إلى النفس الناطقة‬          ‫بين الإثبات والنفي‪ ،‬شعرية النص قدر يغلي‪،‬‬
 ‫بالحق في كل فلك‪ ،‬وعند ابن عربي مشهد برزخي‬               ‫وإحساس مرهف بالكلمات كما علمنا مصطفى‬
 ‫مثالي يضبطه الخيال‪ ،‬وعند ابن الفارض كناية عن‬       ‫ناصف‪ ،‬سؤال يعقبه حوار‪ ،‬لم قال حاتم‪« :‬ناولها»؟‬
                                                        ‫أليس من الأولى أن يقول ألقاها؟ أليس الله عاليًا‬
                                                      ‫متعاليًا؟ الإلقاء انفصال‪ ،‬الإلقاء إعلام‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
                                                    ‫«إنما المسيح ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى‬
                                                       ‫مريم وروح منه» (سورة النساء)‪ ،‬قال الطبري‪:‬‬
                                                        ‫«أي أعلمها وأخبرها كما يقال‪ :‬ألقيت إليك كلمة‬
                                                       ‫حسنة» بمعنى أخبرتك بها»‪ ،‬وذلك ‪-‬فيما أفهم‪-‬‬
                                                       ‫أبلغ في هذا المقام‪ ،‬لكن فقه الشاعر بالكلمات هنا‬
                                                    ‫يقول بالمناولة‪ ،‬فالمناولة قرب ولقاء‪ ،‬المناولة اتصال‬
                                                                             ‫يحدث الإشباع الروحي‪.‬‬
                                                          ‫ثم تعيد كلمة أص ًل في ذاكرتي شاعرية امرئ‬
                                                                ‫القيس حين قال م ًعا في بيته المشهور‪:‬‬
                                                                            ‫مكر مفر مقبل مدبر م ًعا‬
                                                                   ‫كجلمود صخر حطه السيل من ع ِل‬
                                                    ‫كلمة (أص ًل) كلمة مفتاح لشعرية الديوان فيما يبدو‬
                                                     ‫لي‪ ،‬فالشاعر شغوف بالبحث عن جوهر الأشياء لا‬
                                                      ‫سمتها الخارجي‪ ،‬عن أصل الدين كمفهوم للمحبة‬
   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34   35