Page 35 - m
P. 35
33 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
م ًعا أو إلى المفردتين mouse- ratفي الإنجليزية. الأخرى .لا يمكن أن يخلص المترجم إلى النص
ربما تبدو القضية سهلة ظاهر ًّيا فمن ناحية أخرى الأصل دون فهمه ومعرفة تفاصيله ودقائق تركيبه.
هناك في اللغة الإيطالية مقابل للجرذ ratوهو ولا يمكن أن يخلص للغة الترجمة دون معرفة
rattoولكن المشكلة تبدأ من اختلاف الإحالات عميقة لها تتيح له قدر ُة الابتكار وخلق وظيف ٍة
التي تتضمنها كل مفردة من هذه المفردات في
بيئتها اللغوية .يكتب إيكو موض ًحا أن التمييز بين مكافئ ٍة لوظيفة النص الأصل.
المفردتين topoو( rattoجرذ) أو ( sorcioفأرة) أذكر جي ًدا أني قرأت ذات مرة مقا ًل لكاتب عربي
في الإيطالية هو تمييز تتضمنه المعاجم .ففي اللغة يهاجم فيه الكاتب الأنجلو -هندي سلمان رشدي
اليومية بإمكان المتحدث أن يشير بكلمة topoحتى بعد صدور روايته «.”The Moor’s Last sigh
إلى جر ٍذ كبي ٍر بمدها إلى toponeأو .topaccio الكاتب العربي لم يفعل شيئًا أكثر من ترديد ما هو
يقول هذه معلومة طريفة عن الفوارق بين النظامين معروف من هجا ٍء ولع ٍن لرشدي بسبب القضية
اللغويين في الإنجليزية والإيطالية ،ولكن ماذا المعروفة ودون أن يعرف عن الرواية شيئًا .ترجم
سيحدث عندما نجد كلمة فأرة topoفي ترجمة
إيطالية عن نص فرنسي ،هل سنعيد ترجمتها إلى الكاتب العربي في ذلك المقال عنوان الراوية إلى
الفرنسية باعتبارها جر ًذا ratأم فأرة souris؟ «آخر نفس المسلم» وهذا دليل على جهله بالإشارة
يتفحص إيكو في هذا الصدد ترجمة إيطالية لرواية
ألبير كامو (الطاعون) .في الفصل الأول من هذه التاريخية التي يتضمنها العنوان وعلى حدود
الرواية يجد الدكتور ريو على درجات سلم العمارة معرفته .كما أنه -وهذا المحرج في المسألة -دلي ٌل
فأرة sorcioميتة .الكلمة الإيطالية الأخيرة هي على أن معرفة رشدي أعمق بكثير من معرفة الكاتب
المرادف لكلمة topoولـ sourisالفرنسية .ويرى
أن المترجم إنما اختار هذه الكلمة متأث ًرا بالتناغم العربي بتاريخه .الإشارة إلى «حسرة المغربي
الصوتي مع الكلمة الفرنسية مما يجعل القارئ الأخيرة» ليست عبارة مجازية يمكن أن نترجمها
يفكر في حقيقة أن رواية كامو تتحدث عن الطاعون كما نشاء ،بل هي إشارة إلى حدث تاريخي بعينه
وهو مرض تحمله الجرذان لا الفئران. متعلق بالأندلس ونهاية مرحلة تاريخية .الكلمة
يتطرق إيكو إلى إشكالات الترجمة وما تنطوي « ”Moorيمكن أن تعني المسلم وتعني أي ًضا المغربي
عليه من تساؤلات أساسية عن اللغة والثقافة
والاختلاف .وإيكو ،كما يقول في مقدمة الكتاب وربما كانت ترجمة الكاتب الحرفية ستمر دون
المذكور ،لا يسعى إلى معالجة الموضوع باعتباره انتباه لو أن العبارة كانت تعبي ًرا بلاغيًّا من نو ٍع
من ِّظ ًرا في حقل الترجمة ،ولا باعتباره أستا ًذا، ما في سيا ٍق آخر .لكن ما يفضح ركتها ويشير إلى
رائ ًدا بلا شك في السيميائيات ،بل باعتباره محر ًرا فشلها بقو ٍل أدق هو عدم إدراك إحالتها التاريخية
ومترج ًما ومؤل ًفا ُترجمت أعماله إلى لغا ٍت عديدة. إلى حدث جرى في موق ٍع على ت ٍّل بعينه حيث وقف
وبغض النظر عن حقيقة أن فلاسف ًة ولغويين عبد الله الصغير آخر ملوك العرب في الأندلس وهو
قالوا بعدم وجود قواعد وقياسات يمكن اعتمادها يتحسر أو ربما يذرف الدمع على سقوط غرناطة.
لترجمة بصفتها أفضل من ترجمة أخرى ،يقول أطلق على ذلك الموقع– الحدث اسم حسرة أو زفرة
إيكو“ :هناك موازين أخرى للقياس تحددها الذائقة
الأدبية والممارسة اليومية في دور النشر” ،دور أو دمعة المغربي الأخيرة.
النشر طب ًعا بحدود النظام الأدبي الذي يعمل وينتج أسوق هذا مثا ًل فقط فهناك وللأسف الشديد ما
إيكو ضمنه .أما الحديث عن دور النشر في النظام لا يحصى من الأخطاء الكارثية التي رصدناها أو
الأدبي العربي عمو ًما والعراقي بشك ٍل خاص
رصدها الآخرون في لغات وثقافات أخرى.
يشير المفكر والروائي والأكاديمي اللامع أمبيرتو
إيكو ( )2016 -1932في كتابه (فأرة أم جرذ)
( )2003 ,Ecoالى أحجية الفأر والجرذ التي
يواجهها المترجمون العاملون بين اللغتين الإنجليزية
والإيطالية .منشأ الالتباس هو أن مفردة topoفي
الإيطالية تستخدم عمو ًما للإشارة إلى الفأر والجرذ