Page 33 - m
P. 33

‫‪31‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

    ‫الله‪ ،‬وقيل منقطعة عن الرجال والأولاد‪ ،‬الربابة‬          ‫داعية إلى البناء والحشد لقوة تمتلك التفاوض‬
  ‫والليلة كلتاهما تحملان صورة التكرار في تركيب‬       ‫الناعم‪ ،‬أو التقريب بين الكر والفر‪ ،‬فلغة الشعر عنده‬
 ‫حروفها‪ ،‬في الليلة والربابة حضور للأنثى‪ ،‬الأنثى‬
 ‫رمز الميلاد والرعاية والاحتضان‪ ،‬حليمة اسم علم‬          ‫تقوم أمام القارئ المتمهل على إزالة العوائق دون‬
   ‫في الأصل‪ ،‬حليمة السعدية مرضعة النبي محمد‬             ‫محو أو استبعاد‪ ،‬تستحضر الأنثى بشكل ملفت‬
   ‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وحاضنته في بادية بني‬         ‫ارتكازا على طاقات لغوية‪ ،‬انظر عتبة النص «البعث»‬
                                                     ‫وتأمل؛ أليس البعث عو ًدا إلى الحياة بعد الموت‪ ،‬لكن‬
     ‫سعد في الحديبية ثم المدينة‪ ،‬والبتول اسم علم‬       ‫البعث في تجربة الشاعر بحث عن وحدة مجتمعية‬
‫للسيدة مريم أم المسيح عيسى عليه السلام وحاملة‬            ‫وحدة دينية‪ ،‬عن وحدة الأصحاب؛ يقول حاتم‪:‬‬

     ‫كلمة الله تعالى‪ ،‬أصل الديانة رعاية واحتضان‬                            ‫رباب ٌة حليم ٌة‪ ،‬وليل ٌة بتو ٌل‬
‫سلام في سلام مذاب‪ ،‬جرح رسول‪ ،‬جهاد من أجل‬                                    ‫شربت من سلامها المذا ْب‬

    ‫تحقيق الإخاء‪ ،‬مشكاة نور واحدة تخرج النور‬                                     ‫وصحت‪ :‬يا صحا ْب‬
                                        ‫للناس‪.‬‬                               ‫تحاببوا وكسروا نبالكم‬

 ‫هذه حقائق تصنعها الكلمات تولدها في العقل دون‬                                       ‫فكلنا على صوا ْب‬
     ‫أن تشير على نحو واضح وصريح‪ ،‬فالكلمات‬                                ‫وكلنا مهدد بأن يصير نملة‬

   ‫مفاتيح‪ ،‬شامات لتوليد الأفكار‪ ،‬والشاعر القدير‬                                   ‫على سفينة الغيا ْب‬
    ‫يحكم اللعبة في التكنية والتلميح‪ ،‬لقد نو َن كلمة‬                      ‫وكلنا مذيل بجرحه الرسو ْل‬
                                                     ‫يسعى الشاعر إلى البحث عن علاقات بين المختلفين‬
      ‫حليمة ليحررها من علميتها‪ ،‬لتصبح والبتول‬              ‫من أصحابه‪ ،‬يسعى إلى البحث عن بعث روح‬
                     ‫مرضغته‪ ،‬أو صانعة كأسه‪.‬‬          ‫الوفاق والاتفاق‪ ،‬عن أصل واحد للإنسان والأديان‪،‬‬
                                                        ‫يمثل الشاعر هنا بنفسه ذاك الأصل المرجو‪ ،‬فقد‬
  ‫في شعرية حاتم الأطير صناعة للكلمات تبعث في‬          ‫شرب من نبعين‪( :‬ربابة‪ ،‬وليلة) وإن بدوا مختلفين‬
 ‫العقل والقلب أث ًرا عزيز المنال الآن‪ ،‬القصيدة عنده‬     ‫لكنهما يعودان إلى أصل واحد‪ ،‬يعودان إلى سلام‬
                                                          ‫مذاب‪ ،‬الربابة قرينة صوت طربي شعبي‪ ،‬كان‬
   ‫مشغولة بالإضاءة وبناء الذات‪ ،‬تطرح كثي ًرا من‬           ‫مغني الربابة جوال في الطرقات‪ ،‬والليلة قرينة‬
‫الشعر على الأسماع وتحمل فلسفة جديدة للأشياء‪،‬‬              ‫السكون‪ ،‬الليل وضوح للنجوم والأقمار‪ ،‬تجلي‬
                                                         ‫السماء‪ ،‬حامل ألوية الهداية‪ ،‬لكن الربابة حليمة‪،‬‬
     ‫لا تعتبر التثقيف شيئًا من التزيين‪ ،‬بل تأخذك‬     ‫حليمة من الحلم تشير لتحكيم العقل والصبر رزينة‬
  ‫إلى عالمها فأنت واحد من الصحاب‪ .‬تسهم تجربة‬           ‫متسامحة‪ ،‬والليلة بتول‪ ،‬البتول قد قيل عنها بيت‬
 ‫حاتم الشعرية في هذا الديوان بالإسهام في الحفاظ‬
 ‫على حيوية الحساسية وإثارة الخيال والتحرر من‬

    ‫الغايات المسبقة‪ ،‬وتنادي بالإصغاء إلى الكلمات‬
   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37   38