Page 29 - m
P. 29

‫‪27‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                                             ‫‪..‬‬        ‫بالفهم لا تخلو من إقامة حوارية مع روح الشعر‬
                                    ‫أنت البداوة‬      ‫العربي‪ ،‬فنداء الأم‪ ،‬القريبة بالإسناد البعيدة بالنداء‪،‬‬
                                    ‫ريح النخل‬
                                ‫بسملة الغزلان‬          ‫عندي استحضار لروح الشعر‪ ،‬أليست الأم أص ًل‬
                      ‫ساق ندى تحت الخلاخيل‬            ‫ومرج ًعا‪ .‬أليست الأم أص ًل وجوه ًرا‪ ،‬رح ًما ودو ًدا‪،‬‬

                                             ‫أنا‬        ‫لم لا تكون إذن رحم الشعر الأول؟ أو حنينًا إلى‬
                                      ‫الرصيف‬             ‫بدويته المختلطة بشيء من التصوف والتجرد؟‬
                            ‫صنوج العرقسوس‬            ‫ولتنظر فيما تحمله قطعة صغيرة من جلد الماعز من‬
                               ‫صفافير الإشارة‬         ‫معنى‪ ،‬النظرة العجلى تقول إننا أمام دعوة للتجرد‬
                                 ‫آهات النراجيل‬        ‫وافتراش الأرض على نحو يخلو من جميل الفرش‪،‬‬
                                                        ‫لكن فقه الكلمات حين يربط بين الحبر الأخضر‬
                                        ‫الشاعر‬            ‫وجلد الماعز يرى رغبة في حب البقاء وطمو ًحا‬
                        ‫انهزمت صحراء دهشته‬           ‫للإنبات أو الإثمار م ًعا‪ ،‬قدي ًما استعمل جلد الماعز في‬
                                                       ‫الكتابة لقدرته على الاحتفاظ بالمداد لفترات تطول‪،‬‬
                                  ‫أم مسه عبقر‬           ‫ثمة رغبة إذن في شعر يبقى‪ ،‬يثمر‪ ،‬تجربة تشع‬
                             ‫من «زر محمول»؟‬           ‫نو ًرا وتحن إلى السكون (الأبدية)؛ فلقد امتزج هنا‬
     ‫لا أريد أن أذهب بعي ًدا لكنه حق يجب أن يقال؛‬         ‫نداء الأم بالحنين إلى كآبة مقمرة‪ ،‬بالحنين إلى‬
  ‫لغة الشعر في ديوان مسجد على القمر‪ ،‬الآن تبني‬        ‫عرافة الرمل‪ ،‬تستنطق الغيب الصموت‪ ،‬في صورة‬
      ‫معرفتها الخاصة لك َن شيئًا من التراث في لغة‬     ‫يد رملية رطبة تكتب وتمد بالمسكوت عنه‪ ،‬لقد قال‬
    ‫الشعر يبقى حاض ًرا‪ ،‬يحاور الشاعر ويحاوره‪.‬‬        ‫صلاح عبد الصبور في أحلام الفارس القديم فات ًحا‬
‫يمكنني أن أرى لغة الشعر في الديوان تصك الديني‬
  ‫ص ًّكا جدي ًدا تأخذ من اليومي المستعمل إلى حضن‬                               ‫الباب لشعرنا المعاصر‪:‬‬
    ‫الجزل الفصيح لتبني رؤياها الخاصة‪ ،‬تحتضن‬                              ‫تعلق في حبل الصمت المبرم‬
    ‫العالم الفسيح لتعيد إلى الأذهان فطريتها الأولى‬
   ‫عن الدين والأشياء‪ ،‬تبني شعريتها من الرصيف‬                                    ‫ينبوع القول العميق‬
    ‫وصفافير الإشارة وآهات النراجيل‪ ،‬من المعاش‬                                     ‫لكن الكف صغيرة‬
      ‫اليومي‪ ،‬وتتساءل في وجل حفيف‪ ،‬عن مصير‬
  ‫شعرية موروثة‪ ،‬شعرية البداوة‪ ،‬حياة الصحراء‪،‬‬                     ‫من بين الوسطى والسبابة والإبهام‬
     ‫التي كانت الرحم الأول للشعر العربي‪ ،‬وكأني‬                                ‫يتسرب في الرمل كلام‪.‬‬
   ‫بالشاعر يقول لي حياتي ولغتي التى أصنع منها‬
‫بدويتي‪ ،‬لقد مسته الحداثة بعبقرها ممث ًل في امتلاك‬      ‫لا تخلو لغة الشعر من الرغبة في التبشير بمعرفة‬
   ‫الحياة عن طريق زر محمول‪ ،‬لكن ثمة حنين إلى‬             ‫من نوع خاص فريد يحتاجها الإنسان المعاصر‬
   ‫فطرية الحياة وبساطتها‪ ،‬بساطة مستخلصة من‬
                            ‫تركيب الحياة الثري‪.‬‬        ‫سماها الشاعر إراداة‪ ،‬إرادة في الكتابة عن الحب‪،‬‬
‫هذه البساطة تجعل من كعكة محشوة باللوز ناولها‬              ‫الحب الإنساني في جلال ووقار‪ ،‬عن الحب في‬
    ‫الإله لعال ٍم جوعانة أخلاقه رم ًزا للديني‪ ،‬ولست‬
 ‫الكعكة إلا طعا ًما روحيًّا فالجوع ليس جوع بطون‪،‬‬       ‫إشراقاته‪ ،‬وصفائه‪ ،‬عن حب الشعر ومعرفته وإن‬
‫الجوع هنا جوع أخلاق‪ ،‬وكذلك الورد حين يتصدق‬            ‫أسماه أ ًّما‪ ،‬لقد مثلت لي تلك التوطئة طموح (حاتم‬
  ‫من شذاه لصحة الفقراء يحقق مفهوم الإسلام في‬           ‫الأطير) وشغفه المباح إلى ملامسة شعريته‪ ،‬حياة‬
  ‫صحيحه‪ ،‬ويصبح البيانو خبي ًرا بصحيح الإسلام‬
    ‫حين يأمر القلوب بالمعروف‪ ،‬والقمر حين يترك‬              ‫تمزج الديني بالمعاش تحلي ًقا في الأفق الرحب‬
                                                       ‫للخيال‪ ،‬وإعادة خلق الأشياء أو إعادتها إلى شيء‬

                                                               ‫من بدوية جديدة‪ ،‬بدوية الحياة المعاشة‪:‬‬
                                                                                         ‫يا شاعرية‬

                                                                                    ‫أي الكوثرين أنا‬
                                                                                      ‫تأويل ريحانة‬
                                                                                      ‫أم ريح تأويل‬
   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34